ثم إن الخطايا إن كان يراد بها اللاحقة، فمعناه: إذا قُدَّرَ لي ذنب فبَعِّدْ بيني وبينه، وإن كان يراد بها السابقة، فمعناه المَحْو والغفران، ويقال: المراد بالمباعدة هو ما حصل منها والعصمة عما سيأتي منها، وهذا مجاز، لأن حقيقة المباعدة إنما هي في الزمان، والمكان، قاله البدر العيني رحمه الله.
وفي المنهل: وفي هذا اللفظ مجازان: الأول: استعمال المباعدة في
المعاني التي هي في الأصل تستعمل في الأجسام، الثاني: استعمالها في الإزالة بالكلية مع أن أصلها لا يقتضي الزوال. اهـ جـ 5/ ص 194.
(كما باعدت بين المشرق والمغرب) قال العيني: كلمة "ما" مصدرية تقديره كتبعيدك بين المشرق والمغرب، ووجه الشبه أن التقاء المشرق، والمغرب لما كان مستحيلا شبه أن يكون اقترابه من الذنب كاقتراب المشرق والمغرب.
وقال الكرماني: كرر لفظ البين في قوله: "وباعد بيني وبين خطاياي" ولم يكرر بين المشرق والمغرب، لأنه إذا عطف على المضمر المجرور أعيد الخافض. اهـ عمدة جـ 5/ ص 33.
[قال الجامع عفا الله عنه]: هذا الذي قاله الكرماني هو قول جمهور النحاة، ولا يلزم ذلك عند ابن مالك كما قال في خلاصته:
وعَوْدُ خَافض لَدَى عَطْفٍ عَلَى ... ضَميرخَفْض لازمًا قَدْ جُعِلاَ
وَلَيْسَ عندي لَازِمًا إذْ قدْ أتَى ... في النَّظمِ وَالنَّثْرِ الصَّحيحِ مُثْبَتًا
(اللهم نقني) بتشديد القاف وهو من نقّى ينقي تنقية، وهو مجاز عن إزالة الذنوب ومحو أثرها (من خطاياي) وفي رواية البخاري "من الخطايا".