وإذا ثبت هذا ظهر أن قوله: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} خطاب مع الكفار عند قراءة الرسول عليهم القرآن في معرض الاحتجاج، وبكونه معجزات على صدق نبوته، وعند هذا يسقط استدلال الخصوم بهذه الآية من كل الوجوه.
ومما يقوي أن حمل الآية على ما ذكرناه أولى، وجوه:
الأول: أنه تعالى حكى عن الكفار أنهم قالوا: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}، فلما حكى عنهم ذلك ناسب أن يأمرهم بالاستماع، والسكوت حتى يمكنهم الوقوف على ما في القرآن من الوجوه الكثيرة البالغة إلى حد الإعجاز.
الوجه الثاني: أنه قال قبل هذه الآية: {هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} فحكم بكون هذا القرآن رحمة للمؤمنين على سبيل القطع والجزم، ثم قال: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} الآية. ولو كان المخاطبون بقوله: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} هم المؤمنين لما قال: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}؛ لأنه جزم قبل هذه الآية بكون القرآن رحمة للمؤمنين قطعًا، فكيف يقول بعده من غير فصل: لعله يكون القرآن رحمة للمؤمنين، أما إذا قلنا إن المخاطبين به هم الكافرون صح حينئذ قوله: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} انتهى كلام الرازي ملخصًا.
تنبيه:
علق الشيخ عبد الحي اللكنوي على تقرير الرازي هذا بقوله: