رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل بفضل ميمونة" (اغتسلت من الجنابة فتوضأ النبي - صلى الله عليه وسلم - بفضلها) أي أراد أن يتوضأ، ولأبي داود: "اغتسل بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في جفنة فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتوضأ منها، أو يغتسل .. " وعند الترمذي: "فأراد أن يتوضأ" بدون شك (فذكَرَتْ ذلك له) أي قالت له: إني كنت جنبا، فاغتسلت من الماء (فقال: إن الماء لا ينجسه شيء) وعند أبي داود "إن الماء لا يجنب" أي إن الجنابة لا تتصل به، فيتنجس.
ومعنى"لا ينجسه شيء": أي لا يجعله شيء من استعمال الجنب، أو مخالطته أو غير ذلك نجسًا.
وهذا العموم مخصص بحديث القلتين، وبالإجماع على أن الماء إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة، الطعم، أو اللون، أو الريح ينجس, كما سيأتي في الباب التالي إن شاء الله تعالى، وقال السندي: قوله: "لا ينجسه شيء" وفي رواية الترمذي، وأبي داود، وابن ماجه: "إن الماء لا يجنب" فمعنى قوله: "لا ينجسه" على وفق تلك الرواية أنه لا ينجسه شيء من جنابة المستعمل أو حدثه، أي إذا استعمل منه جنب أو محدث فلا يصير البقية نجسا بجنابة المستعمل، أو حدثه، وعلى هذا فهذا الحديث خارج عن محل النزاع، وهو أن الماء هل يصير نجسا بوقوع النجاسة أم لا؟ وما يتعلق بهذه المسألة. انتهى.
قال الجامع: فيما قاله نظر، إذ فيه قصر اللفظ العام على السبب، وهو غير صحيح، بل الصحيح إجراؤه على عمومه، فيدخل فيه ما ذكره لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولهذا أورده المصنف بعد الآيات التي ساقها لبيان أن الماء طاهر مطهر، لا ينجسه شيء مما يخالطه، إلا ما استثني على ما ذكرناه آنفا.
ومما يدل على أن العموم باق على عمومه: أنه - صلى الله عليه وسلم - أجاب به لما سُئل عن بئر بضاعة، كما يأتي في الباب التالي إن شاء الله تعالى. وبالله التوفيق وعليه التكلان.