حميد، لا حاجة له بطاعات العباد، ولا يعود نفعها إليه، وإنما هم ينتفعون بها, ولا يتضرر بمعاصيهم، وإنما هم يتضررون بها، قَالَ الله تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} الآية [آل عمران: 176]، وَقَالَ: {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا} الآية [آل عمران: 144]. وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول فِي خطبته: "ومن يعص الله ورسوله، فقد غَوَى، ولا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئا"، قَالَ الله عز وجل: {وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} [النِّساء: 131]، وَقَالَ حاكيا عن موسى عليه السلام: {وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إبراهيم: 8]، وَقَالَ: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]، وَقَالَ: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} الآية [الحجّ: 37].

والمعنى: أنه تعالى يحب منْ عباده أن يتقوه ويطيعوه، كما أنه يكره منهم أن يعصوه، ولهذا يفرح بتوبة التائبين أشد منْ فرح منْ ضلت راحلته، التي عليها طعامه وشرابه بفلاة منْ الأرض، وطلبها حَتَّى أعيى وأيس منها، واستسلم للموت، وأيس منْ الحياة، ثم غلبته عينه فنام، فاستيقظ وهي قائمة عنده، وهذا أعلى ما يتصوره المخلوق منْ الفرح، هَذَا كله مع غناه عن طاعات عباده، وتوباتهم إليه، وإنه إنما يعود نفعها إليهم دونه، ولكن هَذَا منْ كمال جوده وإحسانه إلى عباده، ومحبته لنفعهم، ودفع الضر عنهم، فهو يحب منْ عباده أن يعرفوه ويحبوه، ويخافوه ويتقوه ويطيعوه، ويتقربوا إليه، ويحب أن يعلموا أنه لا يغفر الذنوب غيره، وأنه قادر عَلَى مغفرة ذنوب عباده، كما فِي رواية عبد الرحمن بن غَنْم، عن أبي ذر -رضي الله عنه- لهذا الْحَدِيث: "منْ علم منكم أني ذو قدرة عَلَى المغفرة، ثم استغفرني غفرت له ولا أبالي". وفي "الصحيح" عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "أن عبدا أذنب ذنبا فَقَالَ: يا رب إني فعلت ذنبا فاغفر لي، فَقَالَ الله: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدي"، وفي حديث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه لما ركب دابته، حمد الله ثلاثاً، وكبر ثلاثاً، وَقَالَ: "سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"، ثم ضحك، وَقَالَ: "إن ربك ليعجب منْ عبده إذا قَالَ: رب اغفر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري"، أخرجه الإِمام أحمد، والترمذي وصححه. وفي "الصحيح" عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "واللهِ للهُ أرحم بعباده منْ الوالدة بولدها".

كَانَ بعض أصحاب ذي النون يطوف، وينادي آه أين قلبي، منْ وجد قلبي؟ فدخل يوما يعض السكك، فوجد صبيا يبكي، وأمه تضربه، ثم أخرجته منْ الدار، وأغلقت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015