شرح الْحَدِيث
(عَنْ عُمَرَ) بن الخطاب (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) أنه (قَالَ: لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ) قَالَ السنديّ رحمه الله تعالى: أي لَمّا قرب نزوده، أو لَمّا أراد الله أن ينزله، وفّق عمر -رضي الله عنه- لطلبه حَتَّى أنزله بالتدريج المذكور فِي الْحَدِيث، فالتحريم إنما حصل بآية المائدة، ودعاء عمر كَانَ قبل ذلك، فلابدّ منْ تأويل ظاهر الْحَدِيث بما ذكرنا، والمراد بآية البقرة قوله تعالى: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} الآية [البقرة: 219]، والمراد بالإثم -والله تعالى أعلم- الضرر، كما يدلّ عليه مقابلته بالمنافع، ولذلك ما فهم الصحابة منها الحرمة. وأما قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ} الآية، فلعل المراد نهي منْ له معرفة منْ السكرى فِي الجملة، أو المراد به النهي عن مباشرة أسباب السكر عند قرب الصلاة، لا نهي السكران؛ لأنه لا يفهم، فكيف يُنهَى. انتهى "شرح السنديّ" 8/ 286 (قَالَ عُمَرُ) -رضي الله عنه- (اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا) أي بيانًا واضحًا لا لبس فيه، ولا عذر لأحد بعده، ولفظ الترمذيّ: "بيان شفاء" بالإضافة (فَنَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي فِي البَقَرَةِ) زاد فِي رواية أبي داود، والترمذيّ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} الْآيَةُ [البقرة: 219]، (فَدُعِيَ عُمَرُ) -رضي الله عنه- (فَقُرِئَتْ عَلَيهِ) الآية المذكورة (فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، فنَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي النِّسَاءِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النِّساء: 43]، (فَكَانَ مُنَادِي رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-) أي مؤذّنه (إِذَا أَقَامَ الصَّلاةَ، نَادَى، لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) ولفظ أبي داود: "ألا لا يقربن الصلاة سكران" (فَدُعِيَ عُمَرُ، فَقُرِئَتْ عَلَيهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، فَنَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي فِي المَائِدَةِ) زاد فِي رواية الترمذيّ: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} إلى قوله {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (فَدُعِيَ عُمَرُ، فَقُرِئَتْ عَلَيهِ، فَلَمَّا بَلَغَ) أي القارىء إلى قراءة قوله {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: انْتَهَينَا انْتَهَينَا) أي كَفَفْنا عن إتيانهما، أو عن طلب البيان الشافي.
قَالَ الطيبيّ رحمه الله تعالى: فنزلت هذه الآية، يعني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90] الآيتين، وفيهما دلائل سعبة عَلَى تحريم الخمر: [أحدها]: قوله: {رِجْسٌ} والرجس هو النجس, وكل نجس حرام. [والثاني]: قوله: {مِنْ عَمَلِ الشِّيْطَانِ}، وما هو منْ عمله حرام. [والثالث]: قوله: {فَاجْتَنِبُوُه}، وما أمر الله تعالى باجتنابه، فهو حرام. [والرابع]: قوله: {لَعَلَكُمْ تُفْلِحُونَ}، وما علق رجاء الفلاح باجتنابه، فالإتيان به حرام. [الخامس]: قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ}، وما هو سبب وقوع العداوة والبغضاء بين المسلمين، فهو