الإطلاق أنه لا فرق بين مراتب الغضب، ولا أسبابه، وكذا أطلقه الجمهور، وفصّل إمام الحرمين، والبغوي، فقيدا الكراهية بما إذا كَانَ الغضب لغير الله، واستغرب الروياني هَذَا التفصيل، واستبعده غيره؛ لمخالفته لظواهر الْحَدِيث، وللمعنى الذي لأجله نُهي عن الحكم حال الغضب.
وَقَالَ بعض الحنابلة: لا ينفذ الحكم فِي حال الغضب؛ لثبوت النهي عنه، والنهي يقتضي الفساد. وفصل بعضهم بين أن يكون الغضب طرأ عليه بعد أن استبان له الحكم فلا يؤثر، وإلا فهو محل الخلاف، وهو تفصيل معتبر.
وَقَالَ ابن المنير أدخل البخاريّ حديث أبي بكرة الدالّ عَلَى المنع، ثم حديث أبي مسعود (?) الدالّ عَلَى الجواز؛ تنبيهًا منه عَلَى طريق الجمع، بأن يُجعل الجواز خاصا بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لوجود العصمة فِي حقه، والأمن منْ التعدي، أو أن غضبه إنما كَانَ للحق، فمن كَانَ فِي مثل حاله جاز، وإلا مُنع، وهو كما قيل فِي شهادة العدوّ: إن كانت دنيوية رُدّت، وإن كانت دينية لم تُرَدّ، قاله ابن دقيق العيد وغيره. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي الأرجح قول منْ قَالَ: لا ينفذ حكمه إن حكم فِي حال الغضب؛ لأن النهي للتحريم، وهو يقتضي الفساد، ولا يقاس بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم- غيره فِي ذلك، كما ذهب إليه المصنّف فِي الباب التالي؛ لأنه غضبه -صلى الله عليه وسلم- كرضاه، بخلاف غيره، قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: ولا يُعارض هَذَا الْحَدِيث بحكم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- للزبير بإمساك الماء إلى أن يبلغ الجدر، وَقَدْ غضب منْ قوله الأنصاريّ: أن كَانَ ابن عمّتك؟؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- معصوم منْ الهوى، والباطل، والخطأ فِي غضبه ورضاه، وصحّته ومرضه، ولذلك قَالَ: "اكتبوا عنّي فِي الغضب والرضا" (?)، ولذلك نفذت أحكامه، وعُمل بحديثه الصادر فِي حال شدّة مرضه، ونزعه، كما نفذ فِي حال صحّته ونشاطه. انتهى "المفهم" 5/ 170 - 171.
والحاصل أن الأرجح كون النهي فِي حديث الباب للتحريم، وأن حكم الحاكم فِي