البعيدة، وفوض إليهم الولاية والقضاء، ولم يشهد، وكذلك خلفاؤه، ولم ينقل منهم الإشهاد عَلَى توليه القضاء مع بعد بلدانهم.

واحتجّ الأولون بأن القضاء لا يثبت إلا بأحد الأمرين، وَقَدْ تعذرت الإستفاضة فِي البلد البعيد؛ لعدم وصولها إليه، فتعين الإشهاد، ولا نسلم أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لم يشهد عَلَى توليته، فإن الظاهر أنه لم يبعث واليا إلا ومعه جماعة، فالظاهر أنه أشهدهم، وعدم نقله لا يلزم منه عدم فعله، وَقَدْ قام دليله فتعين وجوده. انتهى "المغني" 14/ 11 - 12.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي ما قاله الحنفيّة أظهر؛ لأنه الظاهر، وما ذكره هؤلاء احتمالٌ، والظاهر لا يُترك بالاحتمال. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السابعة): أنه ينبغي أن يكون الحاكم قويا، منْ غير عُنف، لينا منْ غير ضعف، لا يطمع القوي فِي باطله، ولا ييأس الضعيف منْ عدله، ويكون حليما، متأنيا، ذا فطنة وتيقظ، لا يُؤتَى منْ غفلة، ولا يُخْدَع لغِرّة، صحيح السمع والبصر، عالما بلغات أهل ولايته، عفيفا ورعا نزها بعيدا عن الطمع، صدوقٌ اللَّهجة، ذا رأي ومشورة، لكلامه لين إذا قرب، وهيبة إذا أوعد، ووفاء إذا وعد، ولا يكون جبارا, ولا عسوفا، فيقطع ذا الحجة عن حجته. قَالَ عليّ رضي الله عنه: "لا ينبغي أن يكون القاضي قاضيا حَتَّى تكون فيه خمس خصال: عفيف، حليم، عالم بما كَانَ قبله، يستشير ذوي الألباب، لا يخاف فِي الله لومة لائم". وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى قَالَ: "ينبغي للقاضي أن تجتمع فيه سبع خلال: إن فاتته واحدة كانت فيه وَصْمة: العقل، والفقه، والورع، والنزاهة، والصرامة، والعلم بالسنن والحكم"، ورواه سعيد، وفيه: "يكونُ فهما، حليما، عفيفا, صلبا سآلا عما لا يعلم"، وفي رواية "محتملا للأئمة، ولا يكون ضعيفا مَهِينا؛ لأن ذلك يبسط المتخاصمين إلى التهاتر، والتشاتم بين يديه"، قَالَ عمر رضي الله عنه: لأعزلن فلانا عن القضاء، ولأستعملن رجلا إذا رآه الفاجر فَرِقَه.

وله أن ينتهر الخصم إذا التوى، ويصيح عليه، وإن استحق التعزير عزّره بما يرى منْ أدب، أو حبس، وإن افتات عليه بأن يقول: حكمت عليّ بغير الحق، أو ارتشيت فله تأديبه، وله أن يعفو، وإن بدأ المنكر باليمين قطعها عليه، وَقَالَ: البينة عَلَى خصمك، فإن عاد عزّره إن رأى، وأمثالُ ذلك مما فيه إساءة الأدب فله معابة فاعله، وله العفو. قاله فِي "المغني" 14/ 17 - 18 وهو بحث نفيس جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثامنة): قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: الحاكم إذا حضرته قضية تبين له

طور بواسطة نورين ميديا © 2015