(فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَجُلٌ غَرِيبٌ) فعيل بمعنى فاعل، قَالَ فِي "المصباح": غرُب الشخص بالضم، منْ باب شَرُف غَرابة: بَعُد عن وطنه، فهو غريبٌ، فعيل بمعن فاعل، وجمعه غُرباء (جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ) أي أمور دينه، وتفاصيلها (لاَ يَدْرِي مَا دِينُهُ؟) قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: استلطافٌ فِي السؤال، واستخراجٌ حسَنٌ للتعليم؛ لأنه لَمّا أخبره بذلك تعيّن عليه أن يُعلّمه، وأيضًا، فإن هَذَا الرجل الغريب الذي جاء سائلاً عن دينه هو منْ النوع الذي قَالَ فيه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إن أُناسًا يأتونكم منْ أقطار الأرض يطلبون الِعلم، فاستوصوا بهم خيرًا" (?). فإنه -صلى الله عليه وسلم- كَانَ لا يأمر بشيء إلا كَانَ أوّل آخذ به، وإذا نهى عن شيء كَانَ أوّل تارك له. انتهى.

(فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ) إنما فعل ذلك لتعيّنه عليه فِي الحال، ولخوف الفوت، ولأنه لا يناقض ما كَانَ فيه منْ الخطبة، ومشيه -صلى الله عليه وسلم-، وقربه منه فِي تلك الحال مبادرة لاغتنام الفرصة، وإظهار التّهَمُّم بشأن السائل. قاله فِي "المفهم" 2/ 515.

(حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ) أي وصل إلى المكان الذي جلست فيه (فَأُتِيَ) بالبناء للمفعول (بِكُرْسِيٍّ) بضم الكاف، أشهر منْ كسرها، والجمع الكراسيّ مثقّل أيضًا، وَقَدْ يُخفّف، قَالَ ابن السّكيت فِي "باب ما يُشدّد": وكلُّ ما كَانَ واحده مشدّدًا، شَدَّدتَ جمعه، وإن شئتَ خفّفت. أفاده الفيّوميّ (خِلْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا) أي ظننتُ أن قوائم ذلك الكرسيّ كانت حديداً، و"خِلْتُ" -بكسر الخاء المعجمة-، منْ أخوات "ظَنّ"، يقال: خال الرجل الشيءَ يَخالُهُ خَيلاً، منْ باب نال: ظنّه، وخاله يَخِيله منْ باب باع لغةً، وفي المضارع للمتكلم يقال: إِخاله بكسر الهمزة عَلَى غير قياس، وهو أكثر استعمالاً، وبنو أسد يفتحون عَلَى القياس. قاله الفيّوميّ.

[تنبيه]: قوله: "خِلتُ" هكذا رواية المصنّف رحمه الله تعالى، وهي واضحة، ووقع فِي رواية مسلم رحمه الله تعالى بلفظ "حسبت"، قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى فِي "شرحه": هكذا هو فِي جميع النسخ "حسبت"، ورواه ابن أبي خيثمة فِي غير "صحيح مسلم": "خلت" بكسر الخاء، وسكون اللام، وهو بمعنى "حسبت"، قَالَ القاضي: ووقع فِي نسخة ابن الحذّاء "خشب" بالخاء، والشين المعجمتين. وفي كتاب ابن قُتيبة "خلب" بضم الخاء، وآخره باء موحّدة، وفسّروه بالليف، وكلاهما تصحيف، والصواب "حسبت" بمعنى ظننت، كما هو فِي نسخ مسلم، وغيره منْ الكتب المعتمدة. انتهى "شرح مسلم" 6/ 165.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015