قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: أعدل الأقوال عندي فِي معنى الْحَدِيث -كما قَالَ فِي "الفتح" 11/ 470 - أن لبس الحرير فِي الدنيا مقتض للعقوبة بحرمانه لبسه فِي الآخرة، كما هو ظاهر النصوص، لكن قد يتخلّف ذلك لمانع، كالتوبة، والحسنات التي توازن، والمصائب التي تكفّر، وكدعاء الولد بشرطه، وكذا شفاعة منْ يؤذن له فِي الشفاعة، وأعمّ منْ ذلك عفو أرحم الراحمين. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:

(المسألة الأولى): فِي درجته:

حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما هَذَا أخرجه البخاريّ.

(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:

أخرجه هنا -90/ 5306 - وفي "الكبرى" 9583 و9584 و9585 و9586 و9587 وفي "التفسير" 11343 و11344. (خ) فِي "اللباس" 5833 (أحمد) فِي "مسند المدنيين" 15686. والله تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة): فِي فوائده:

(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان التشديد فِي لبس الحرير. (ومنها): أن هَذَا الْحَدِيث، وشبهه يدلّ عَلَى تحريم لباسه عَلَى الذكور خاصّة؛ للنصوص الأخرى، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "حرام عَلَى ذكور أمتى، حلّ لإناثها". (ومنها): أن الجزاء يكون بنقيض العمل، كما يكون كثيرًا منْ جنس العمل. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي لبس الحرير:

قَالَ ابن بطال رحمه الله تعالى: اختُلف فِي الحرير، فَقَالَ قوم: يحرم لبسه فِي كل الأحوال، حَتَّى عَلَى النِّساء، نُقل ذلك عن عليّ، وابن عمر، وحذيفة، وأبي موسى، وابن الزبير -رضي الله عنهم-، ومن التابعين عن الحسن، وابن سيرين. وَقَالَ قوم: يجوز لبسه مطلقا، وحملوا الأحاديث الواردة فِي النهي عن لبسه، عَلَى منْ لبسه خُيلاء، أو عَلَى التنزيه.

قَالَ الحافظ: وهذا الثاني ساقط؛ لثبوت الوعيد عَلَى لبسه، وأما قول عياض: حمل بعضهم النهي العام فِي ذلك عَلَى الكراهة، لا عَلَى التحريم، فقد تعقبه ابن دقيق العيد، فَقَالَ: قد قَالَ القاضي عياض: إن الإجماع انعقد بعد ابن الزبير، ومن وافقه عَلَى تحريم الحرير عَلَى الرجال، وإباحته للنساء، ذكر ذلك فِي الكلام عَلَى قول ابن الزبير، فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015