بالخمس، ثم أُعلم بالعشر، فاستقام الكلام، لو أريد الحصر أيضًا بلا معارضة. وقيل: يحتمل أن تكون الخمس المذكورة فِي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- آكد، فلمزيد الاهتمام بها أفردها بالذكر. والله تعالى أعلم.
ثم قوله: "عشرة" مبتدأ بتقدير "أفعالٌ عشرةٌ"، أو "عشرة منْ الأفعال"، والجارّ والمجرور خبره، أو هو صفة فِي محلّ رفع صفة له، والخبر قوله: "قصّ الشارب الخ".
(قَصُّ الشَّارِبِ) أي قطعه، و"الشارب": هو الشعر النابت عَلَى الشفة العليا، والقص هو الأكثر فِي الروايات، -كما قَالَ الحافظ- وهو مختار مالك وطائفة، وَقَدْ جاء فِي بعضها بلفظ الإحفاء، وهو مختار أكثر العلماء، والإحفاء هو الاستئصال، وَقَدْ تقدّم تحقيق الخلاف فِي هَذَا فِي "أبواب الطهارة" 13/ 13 باب "قصّ الشارب"، وأن الأرجح هو قول منْ قَالَ بالتخيير؛ لأن السنة دلّت عَلَى الأمرين، فلا تعارض بينها، فإن القصّ يدلّ عَلَى أخذ البعض، والإحفاء عَلَى أخذ الكلّ، وكلاهما ثابت، فيتخيّر فيما شاء.
والحاصل أن العلماء مختلفون فِي حلق الشارب، فمنهم منْ كرهه، كمالك، ومنهم رجحه عَلَى القصّ، ومنهم منْ رجح القصّ عليه، ومنهم منْ خيّر، وهو الأرجح؛ جمعا بين الأدلّة، فإن أردت تحقيق المسألة بأدلّتها فراجع ما سبق فِي "الطهارة" يُشْفَ غَلِيلُك. والله تعالى وليّ التوفيق.
(وَقَصُّ الأَظْفَارِ) أي قطع ما طال منها، وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- بلفظ: "تقليم الأظفار"، وهو أعم منْ القصّ، والمراد إزالة ما يزيد عَلَى ما يُلابس رأس الأصابع منْ الظفر؛ لأن الوسخ يجتمع فيه، فيُستقذر، وَقَدْ ينتهي إلى حدّ يمنع منْ وصول الماء إلى ما يجب غسله فِي الطهارة. وَقَدْ تقدّم تمام البحث فِي هَذَا فِي "الطهارة" أيضًا فِي 10/ 10 (وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ) -بفتح الموحّدة، وبالجيم، جمع بُرْجُمة -بضم الموحدة، والجيم، وهي عُقَد الأصابع، ومفاصلها كلها. قاله النوويّ.
وفي "شرح المصابيح" لزين العرب حكاية قول أن المراد بها خطوط الكفّ؛ لمنع الوسخ فيها منْ وصول الماء إلى ما تحتها، وحينئذ لا يصح الوضوء، ولا الغسل.
وَقَالَ النوويّ: قَالَ العلماء: ويلتحق بالبراجم ما يجتمع منْ الوسخ فِي معاطف الأذن، وهو الصِّمَاخ، فيُزيله بالمسح؛ لأنه ربّما أضرّت كثرته بالسمع، وكذلك ما يجتمع فِي داخل الأنف، وكذلك جميع الوسخ المجتمع عَلَى أي موضع كَانَ، منْ البدن بالعرق، والغبار، ونحوهما. والله تعالى أعلم. قاله النوويّ فِي "شرح مسلم" 3/ 141.
(وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ) -بكسر الهمزة-: أي توفيرها، وتكثيرها. قَالَ أبو عُبيدة: يقال: