جيء بسارق إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "اقتلوه"، فقالوا: يا رسول الله، إنما سرق، قَالَ: "اقطعوه"، ثم جيء به الثانية، فَقَالَ: "اقتلوه"، ذكر مثله، إلى أن قَالَ: فأُتي به الخامسة: فَقَالَ: "اقتلوه"، قَالَ جابر: فأنطلقنا به، فقتلناه، ورميناه فِي بئر، قَالَ النسائيّ: هَذَا حديث منكر، ومصعب بن ثابت راويه، ليس بالقوي. وَقَدْ قَالَ بعض أهل العلم، كابن المنكدر، والشافعي: إن هَذَا منسوخ، وَقَالَ بعضهم: هو خاص بالرجل المذكور، فكأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- اطلع عَلَى أنه واجب القتل، ولذلك أمر بقتله، منْ أول مرة، ويحتمل أنه كَانَ منْ المفسدين فِي الأرض.

قَالَ الحافظ: وللحديث شاهد منْ حديث الحارث بن حاطب -رضي الله عنه-، أخرجه النسائيّ، ولفظه: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أُتي بلصّ، فَقَالَ: "اقتلوه"، فقالوا: إنما سرق، فذكر نحو حديث جابر -رضي الله عنه- فِي قطع أطرافه الأربع، إلا أنه قَالَ فِي آخره: ثم سرق الخامسة فِي عهد أبي بكر، فَقَالَ أبو بكر: كَانَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلم بهذا، حين قَالَ: "اقتلوه"، ثم دفعه إلى فتية منْ قريش، فقتلوه، قَالَ النسائيّ: لا أعلم فِي هَذَا الباب حديثا صحيحا.

قَالَ الحافظ: نقل المنذري تبعا لغيره فيه الإجماع، ولعلهم أرادوا أنه استقر عَلَى ذلك، وإلا فقد جزم الباجي، فِي اختلاف العلماء أنه قول مالك، ثم قَالَ: وله قول آخر: لا يُقتل، وَقَالَ عياض: لا أعلم أحدا منْ أهل العلم قَالَ به، إلا ما ذكر أبو مصعب، صاحب مالك فِي "مختصره" عن مالك، وغيره منْ أهل المدينة، فَقَالَ: ومن سرق ممن بلغ الحلم قطع يمينه، ثم ان عاد فرجله اليسرى، ثم إن عاد فيده اليسرى، ثم إن عاد فرجله اليمنى، فإن سرق فِي الخامسة قُتل كما قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعمر بن عبد العزيز. انتهى.

وفيه قول ثالث، تُقطع اليد بعد اليد، ثم الرجل بعد الرجل، نُقل عن أبي بكر وعمر، ولا يصح، وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح، عن القاسم بن محمد، أن أبا بكر قطع يد سارق فِي الثالثة، ومن طريق سالم بن عبد الله، أن أبا بكر إنما قطع رجله، وكان مقطوع اليد، ورجال السندين ثقات، مع انقطاعهما.

وفيه قول رابع: تقطع الرجل اليسرى بعد اليمنى، ثم لا قطع، أخرجه عبد الرزاق منْ طريق الشعبي، عن علي -رضي الله عنه-، وسنده ضعيف، ومن طريق أبي الضحى، أن عليا نحوه، ورجاله ثقات مع انقطاعه، وبسند صحيح عن إبراهيم النخعي، كانوا يقولون: لا يترك ابن آدم مثل البهيمة، ليس له يد يأكل بها، ويستنجي بها، وبسند حسن عن عبد الرحمن بن عائذ، أن عمر أراد أن يقطع فِي الثالثة، فَقَالَ له علي: اضربه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015