قَالَ أبو عمر بن عبد البر: لو تدبر منْ احتج بحديث البراء، لم يحتج؛ لأن فِي دَرْج الْحَدِيث تفسير قوله عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا}، يقول: إن أفتاكم بالجلد والتحميم فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا، دليل عَلَى أنهم حَكَّمُوه، وذلك بَيِّنٌ فِي حديث ابن عمر وغيره.
[فإن قَالَ قائل]: ليس فِي حديث ابن عمر، أن الزانيين حَكَّما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا رضيا بحكمه.
[قيل له]: حَدُّ الزاني حَقّ منْ حقوق الله تعالى، عَلَى الحاكم إقامته، ومعلوم أن اليهود كَانَ لهم حاكم يحكم بينهم، ويقيم حدودهم عليهم، وهو الذي حَكَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والله أعلم. انتهى "الجامع لأحكام القرآن" 6/ 184 - 187.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يظهر لي أن القول بوجوب الحكم بينهم إذا جاءوا هو الأرجح؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إذا جاءوا إليه يحكم، ولم يثبت أنه ألزمهم بالترافع إليه دائمًا، بل كانوا يتحاكمون فيما بينهم، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرهم، ولم يأمره الله تعالى بنقض ذلك. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
4735 - (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنِي دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ الآيَاتِ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ، الَّتِي قَالَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} إِلَى {الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42] إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي الدِّيَةِ بَيْنَ النَّضِيرِ وَبَيْنَ قُرَيْظَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ قَتْلَى النَّضِيرِ، كَانَ لَهُمْ شَرَفٌ، يُودَوْنَ الدِّيَةَ كَامِلَةً، وَأَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ كَانُوا يُودَوْنَ نِصْفَ الدِّيَةِ، فَتَحَاكَمُوا فِي ذَلِكَ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ فِيهِمْ، فَحَمَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الْحَقِّ فِي ذَلِكَ، فَجَعَلَ الدِّيَةَ سَوَاءً).
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: رجال هَذَا الإسناد كلهم رجال الصحيح، وتقدّموا.
و"عبيد الله بن سعد": هو الزهريّ، أبو الفضل البغداديّ، قاضي أصبهان، ثقة [11] 17/ 480. و"عمه": هو يعقوب بن إبراهيم الزهريّ، أبو يوسف المدنيّ، نزيل بغداد، ثقة فاضل، منْ صغار [9] 196/ 314. و"أبوه": هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ، أبو إسحاق المدنيّ، نزيل بغداد، ثقة حجة [8] 196/ 314. و"ابن إسحاق": هو محمد أبو بكر المطّلبي إمام المغازي، المدنيّ، نزيل العراق، صدوقٌ، يدلّس، ورُمي بالتشيّع والقدر، منْ صغار [5] 5/ 480. و"داود بن الحصين": هو الأمويّ مولاهم، أبو سليمان المدنيّ، ثقة، إلا فِي عكرمة،