عنه، يبوء بإثمه، وإثم صاحبه"، قَالَ: فعفا عنه، فهذا المساق يُفهم منه صحّة قصد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لتخليص ذلك القاتل، وتأكّد شفاعته له فِي العفو، أو قبول الدية، فلما لم يلتفت الوليّ إلى ذلك كلّه، صدرت منه -صلى الله عليه وسلم- تلك الأقوال الوعيديّة، مشروطةً باستمراره عَلَى لَجَاجه، ومُضيّه عَلَى جفائه، فلما سمع الوليّ ذلك القول عفا، وأحسن، فقُبل، وأُكرم، وهذا أقرب منْ تلك التأويلات، والله أعلم بالمشكلات، وهذا الذي أشار إليه ابن أشوع، حيث قَالَ: إن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- سأله أن يعفو، فأبى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قول ابن أشوع المذكور هو الآتي للمصنّف فِي الرواية التالية لهذه الرواية.
[تنبيه]: قَالَ القرطبيّ: إنما عظم الإشكال منْ جهة قوله -صلى الله عليه وسلم-: "القاتل والمقتول فِي النار"، ولَمّا كَانَ ذلك قَالَ بعض العلماء: إن هَذَا اللفظ -يعني قوله: "القاتل والمقتول فِي النار"-، إنما ذكره النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فِي حديث آخر، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول فِي النار" متّفقٌ عليه. فوهم بعض الرواة، فضمّه إلى هَذَا الْحَدِيث الآخر.
قَالَ القرطبيّ: وهذا بعيدٌ، والله تعالى أعلم. انتهى "المفهم" 5/ 54 - 58.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا التحقيق الذي قاله القرطبيّ رحمه الله تعالى فِي تأويل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن قتله، فهو مثله" تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب.
وقوله: "حُدّثت أنك قلت" ببناء "حُدّثت" للمفعول.
وقوله: "ما تريد أن يبوء الخ" بتقدير الاستفهام، أي أما تريد أن يبوء بإثمك، وإثم صاحبك. قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: قيل معناه يتحمل إثم المقتول بإتلافه مهجته، وإثم الوليّ؛ لكونه فجعه فِي أخيه، ويكون قد أُوحي إليه -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فِي هَذَا الرجل خاصة. ويحتمل أن معناه يكون عفوك عنه سببا لسقوط إثمك، وإثم أخيك المقتول، والمراد إثمهما السابق بمعاص لهما متقدمة، لا تعلق لها بهذا القاتل، فيكون معنى "يبوء" يُسقط، وأطلق هَذَا اللفظ عليه مجازا. انتهى "شرح مسلم" 11/ 175.
وقوله: "قَالَ: بلى": أي قَالَ وليّ المقتول: بلى أريد ذلك.
وقوله: "فإن ذاك": هَذَا أيضًا منْ كلام وليّ المقتول، و"إن" شرطيّةٌ، وجوابها محذوف: أي فإن كَانَ الأمر ذاك، أي الذي قلته منْ أنه يبوء بإثمه، وإثم صاحبي، فقد عفوت عنه.
وقوله: "قَالَ: ذلك كذلك": أي قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: ذلك الذي ذكرته لك، كما ذكرته، أي إنه يبوء بإثمك، وإثم صاحبك.