لقاعد مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الْحَدِيث. ولفظ المصنّف: أخبرنا زكريا بن يحيى، قَالَ: حدثنا عُبيد الله بن معاذ الخ.
فما قاله فِي "تقريب التهذيب" منْ أنه لم يسمع منْ أبيه غير صحيح، فليُتنبّه. والله تعالى أعلم.
(قَالَ: جِيءَ بالْقَاتِلِ الَّذِي قَتَلَ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-) وفي الرواية الآتية: "شهدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حين جيء بالقاتل يقوده ولي المقتول فِي نِسْعة"، وفي رواية: "كنت قاعدًا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، جاء رجل فِي عنقه نسعة" (جَاءَ بِهِ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ) وسيأتي أنه أخوه، ففي رواية سماك بن حرب، عن علقمة: "فَقَالَ: يا رسول الله، هَذَا قتل أخي، فَقَالَ له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أقتلته" (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَتَعْفُو؟ "، قَالَ: لَا، قَالَ: "أَتَقْتُلُ؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "اذْهَبْ"، فَلَمَّا ذَهَبَ دَعَاهُ، قَالَ: "أَتَعْفُو؟ "، قَالَ: لَا، قَالَ: "أَتَأْخُذُ الدَّيَةَ؟ "، قَالَ: لَا، قَالَ: "أَتَقْتُلُ؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "اذْهَبْ"، فَلَمَّا ذَهَبَ، قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (أَمَا إِنَّكَ إِنْ عَفَوْتَ عَنْهُ؟، فَإِنَّهُ يَبُوءُ) بهمزة، بعد الواو: أي ينقلب، ويرجع، قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: وأكثر ما يُستعمل باء بكذا فِي الشرّ، ومنه قوله تعالى: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة: 90] انتهى (بِإِثْمِكَ وَإِثْمِ صَاحِبِكَ) قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: يعني بذلك -والله تعالى أعلم- أن المقتول ظلمًا تُغفر ذنوبه عند قتل القاتل له، والوليّ يُغفر له عند عفوه عن القاتل، فصار ذهاب ذنوبهما بسبب القاتل، فلذلك قيل عنه: إنه باء بذنوب كلّ واحد منهما، هَذَا أحسن ما قيل فيه. والله تعالى أعلم. انتهى "المفهم" 5/ 58.
وَقَالَ السنديّ رحمه الله تعالى: ظاهره أن الوليّ إذا عفا عن القاتل بلا مال يتحمّل القاتل إثم الوليّ والمقتول جميعًا, ولا يخلو عن إشكال، فإن أهل التفسير قد أوّلوا قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} الآية [المائدة: 29]، فضلاً عن إثم الوليّ، ولعل الوجه فِي هَذَا الْحَدِيث أن يقال: المراد برجوعه بإثمهما هو رجوعه متلبّسًا بزوال إثمهما عنهما.
ويحتمل أنه تعالى يرضى بعفو الوليّ، فيغفر له، ولمقتوله، فيرجع القاتل، وَقَدْ أُزيل عنهما إثمهما بالمغفرة.
والمشهور هي الرواية الآتية، وهي: "يبوء بإثمه، وإثم صاحبه": أي المقتول. وقيل: فِي تأويله: أي يرجع متلبّسًا بإثمه السابق، وبالإثم الحاصل له بقتل صاحبه، فأُضيف إلى الصاحب؛ لأدنى ملابسة، بخلاف ما لو قُتِلَ، فإن القتل يكون كفّارة له عن إثم القتل، وهذا المعنى لا يصلح للترغيب، إلا أن يقال: الترغيب باعتبار إيهام الكلام