شرح الْحَدِيث
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه-، أنه (قَالَ: قُتِلَ رَجُلٌ) يحتمل أن يكون ببناء الفعل للمفعول، أو الفاعل (عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَرُفِعَ) بالبناء للمفعول (الْقَاتِلُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَدَفَعَهُ) أي النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (إِلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ) أي ليقتصّ منه (فَقَالَ الْقَاتِلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا، وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ قَتْلَهُ) "لا" نافية، "ما" مؤكّدة لها، وتوسط بينهما القسم: أي والله لم أُرد قتله عمدًا، وإنما وقع خطأ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ: "أمَا) أداة استفتاح، وتنبيه (إِنَّهُ) أي القاتل (إِنْ كَانَ صَادِقًا) فِي دعواه أنه لم يتعمّد قتله، بل وقع منه خطأً (ثُمَّ قَتَلْتَهُ، دَخَلْتَ النَّارَ) قَالَ السنديّ رحمه الله تعالى: يفيد أن ما كَانَ ظاهره العمد لا يسع فيه كلام القاتل: إنه ليس بعمد فِي الحكم، نعم ينبغي لوليّ المقتول أن لا يقتله؛ خوفًا منْ لحوق الإثم به، عَلَى تقدير صدق دعوى القاتل. انتهى.
(فَخَلَّى سَبِيلَهُ) أي أطلق أسره (قَالَ: وَكَانَ مَكْتُوفًا بِنِسْعَةٍ) بكسر النون، وسكون السين المهملة-: سَيْرٌ مضْفُورٌ، يُجعل زمامًا للبعير وغيره، وَقَدْ تُنسَج عريضةً. وَقَالَ فِي "القاموس": "النِّسْعُ": بالكسر: سَيْرٌ يُنسَج عَرِيضًا عَلَى هيئة أَعِنَّة النَّعَال، تُشَدُّ به الرِّحال، والقطعة منه نِسْعَةٌ، وسُمّيَ نِسْعًا لطوله، جمعه نُسْعٌ بالضمّ، ونِسَعٌ، كعِنَبٍ، وأَنْسَاعٌ، ونُسُوعٌ. انتهى. (فَخَرَجَ يَجُرُّ نِسْعَتَهُ، فَسُمِّيَ ذَا النِّسْعَةِ) أي صاحب النسعة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هَذَا صحيح.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -5/ 4723 - وفي "الكبرى" 5/ 6924. وأخرجه (د) فِي "الديات" 4498 (ت) فِي "الديات" 1407 (ق) فِي "الديات" 2690.
(المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان مشروعية القصاص، ووجه الاستدلال به أنه -صلى الله عليه وسلم- إنما دفع القاتل إلى وليّ المقتول ليقتصّ منه، وذلك يدلّ عَلَى ثبوت القصاص. (ومنها): أنه لا ينبغي لولي الدم أن يتسارع إلى القصاص، بل يعفو؛ فلعل ذلك القاتل إنما كَانَ قتله عن غير عمد، فيكون قد قتل منْ لا يجب عليه القتل. (ومنها): أنه يجوز تلقيب الشخص بما يظهر عليه منْ الحِرَف، أو نحوها، فإنهم سموا