فقول صاحب "المغني": إن حديث ابن أبي مليكة مرسل لم يرد فِي الكتب الموثوق بها غير صحيح، فقد ثبت مرفوعًا متّصلاً عند الطحاويّ، كما علمت.
والحاصل أن القول بتعميم الشفعة فِي كلّ شيء هو الحقّ، فتبصّر. والله تعالى أعلم بالصواب.
(الشرط الثالث): أن يكون المبيع مما يمكن قسمته، فأما ما لا يمكن قسمته منْ العقار، كالحمّام الصغير, والرَّحَى الصغيرة، والعضادة، والطريق الضيقة، والعراص الضيقة، فعن أحمد فيها روايتان: [إحداهما]: لا شفعة فيه، وبه قَالَ يحيى بن سعيد، وربيعة، والشافعي. [والثانية]: فيها الشفعة، وهو قول أبي حنيفة، والثوري، وابن سريج، وعن مالك كالروايتين، ووجه هَذَا، عموم قوله عليه السلام: "الشفعة فيما لم يقسم"، وسائر الألفاظ العامة، ولأن الشفعة ثبتت لإزالة ضرر المشاركة، والضرر فِي هَذَا النوع أكثر؛ لأنه يتأبد ضرره.
قَالَ: والأول ظاهر المذهب؛ لما روي عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه قَالَ: "لا شفعة فِي فناء، ولا طريق، ولا منقبة"، والمنقبة الطريق الضيق، رواه أبو الخطاب فِي "رؤوس المسائل".
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن القول بثبوت الشفعة فيما لا يمكن قسمته هو الأرجح؛ لعموم الأدلّة، وأما ما رواه أبو الخطّاب، فإنه يحتاج إلى النظر فِي إسناده، وَقَدْ أخرجه عبد الرزاق فِي "مصنّفه" -8/ 87 مرسلاً، فتأمّل، والظاهر أنه لا يصلح للاحتجاج به. والله تعالى أعلم بالصواب.
(الشرط الرابع): أن يكون الشقص منتقلاً بعوض، وأما المنتقل بغير عوض، كالهبة بغير ثواب، والصدقة، والوصية، والإرث، فلا شفعة فيه، فِي قول عامة أهل العلم، منهم: مالك، والشافعيّ، وأصحاب الرأي، وحُكي عن مالك رواية أخرى فِي المنتقل بهبة، أو صدقة أن فيه الشفعةَ، ويأخذه الشفيع بقيمته، وحُكي ذلك عن ابن أبي ليلى؛ لأن الشفعة ثبتت لإزالة ضرر الشركة، وهذا موجود فِي الشركة كيفما كَانَ، والضرر اللاحق بالمتَّهِب، دون ضرر المشتري؛ لأن إقدام المشتري عَلَى شراء الشَّقْص، وبذلِهِ ماله فيه، دليل حاجته إليه، فانتزاعه منه أعظم ضررًا منْ أخذه ممن لم يوجد منه دليل الحاجة إليه.
واحتجّ الأولون بأنه انتقل بغير عوض، فأشبه الميراث، ولأن محلّ الوِفاق، هو البيع، والخبر ورد فيه، وليس غيره فِي معناه؛ لأن الشفيع يأخذه منْ المشتري بمثل السبب الذي انتقل به إليه، ولا يُمكن هَذَا فِي غيره، ولأن الشفيع يأخذ الشِّقْصَ بثمنه،