موحدة- وهو بالسين المهملة، وبالصاد أيضا، ويجوز فتح القاف، واسكانها: القرب، والملاصقة، ووقع فِي حديث جابر -رضي الله عنه-، عند الترمذيّ: "الجار أحق بسقبه، يُنتظَر به إذا كَانَ غائبا، إذا كَانَ طريقهما واحدا". انتهى.
وفي الْحَدِيث قصّة، ساقها البخاريّ فِي "صحيحه" 2/ 787 فَقَالَ:
حدثنا المكيّ بن إبراهيم، أخبرنا ابن جريج، أخبرني إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، قَالَ، وقفت عَلَى سعد بن أبي وقاص، فجاء الْمِسْوَر بن مخرمة، فوضع يده عَلَى إحدى منكبي، إذ جاء أبو رافع، مولى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: يا سعد ابتع مني بَيْتَيَّ فِي دارك، فَقَالَ سعد: والله ما أبتاعهما، فَقَالَ المسور: والله لتبتاعنهما، فَقَالَ سعد: والله لا أزيدك عَلَى أربعة آلاف، منجمة، أو مقطعة، قَالَ أبو رافع: لقد أُعطيت بها خمسمائة دينار، ولولا أني سمعت النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، يقول: "الجار أحق بسقبه"، ما أعطيتكها بأربعة آلاف، وأنا أعطى بها خمسمائة دينار، فأعطاها إياه. انتهى.
قَالَ ابن بطال رحمه الله تعالى: استدل به أبو حنيفة وأصحابه عَلَى إثبات الشفعة للجار، وأوله غيرهم عَلَى أن المراد به الشريك؛ بناء عَلَى أن أبا رافع، كَانَ شريك سعد فِي البيتين، ولذلك دعاه إلى الشراء منه، قَالَ: وأما قولهم: إنه ليس فِي اللغة ما يقتضي تسمية الشريك جارا، فمردود فإن كل شيء قارب شيئا، قيل له: جار، وَقَدْ قالوا لا مرأة الرجل: جارة؛ لما بينهما منْ المخالطة. انتهى.
وتعقبه ابن المنير بأن ظاهر الْحَدِيث أن أبا رافع كَانَ يملك بيتين، منْ جملة دار سعد، لا شقصا شائعا منْ منزل سعد، وذكر عمر بن شَبَّة أن سعدا كَانَ اتخذ دارين بالبلاط، متقابلتين بينهما عشرة أذرع، وكانت التي عن يمين المسجد منهما لأبي رافع، فاشتراها سعد منه، ثم ساق حديث الباب، فاقتضى كلامه أن سعدا كَانَ جارا لأبي رافع، قبل أن يشتري منه داره، لا شريكا.
وَقَالَ بعض الحنفية: يلزم الشافعيّة القائلين بحمل اللفظ عَلَى حقيقته ومجازه، أن يقولوا بشفعة الجار؛ لأن الجار حقيقة فِي المجاور، مجاز فِي الشريك.
وأجيب بأن محل ذلك عند التجرد، وَقَدْ قامت القرينة هنا عَلَى المجاز فاعتبر؛ للجمع بين حديثي جابر وأبي رافع، فحديث جابر صريح فِي اختصاص الشفعة بالشريك، وحديث أبي رافع مصروف الظاهر اتفاقا؛ لأنه يقتضي أن يكون الجار أحق منْ كل أحد، حَتَّى منْ الشريك، والذين قالوا بشفعة الجار، قدموا الشريك مطلقا، ثم المشارك فِي الطريق، ثم الجار عَلَى منْ ليس بمجاور، فعلى هَذَا، فيتعين تأويل قوله: "أحق" بالحمل عَلَى الفضل، أو التعهد، ونحو ذلك.