وَقَدْ حمل الماء المذكور فِي حديثي الباب، عَلَى ماء الفحل، وهو مع كونه خلاف الظاهر مردود بما فِي حديث جابر -رضي الله عنه- فِي "صحيح مسلم" بلفظ: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع فضل الماء، وعن منع ضراب الفحل"، وسيأتي نحوه للنسائيّ بعد خمسة أبواب.

وَقَدْ خُصَّص منْ عموم حديثي المنع منْ البيع للماء، ما كَانَ منه مُحرزًا فِي الآنية، فإنه يجوز بيعه قياسا عَلَى جواز بيع الحطب، إذا أَحرزه الحاطب؛ لحديث الذي أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالاحتطاب؛ ليستغني به عن المسألة، وهو متَّفقٌ عليه، منْ حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وَقَدْ تقدم فِي "كتاب الزكاة"، وهذا القياس بعد تسليم صحته، إنما يصح عَلَى مذهب منْ جَوَّز التخصيص بالقياس، والخلاف فِي ذلك معروف فِي الأصول، ولكنه يُشكل عَلَى النهي عن بيع الماء عَلَى الإطلاق، ما ثبت فِي الْحَدِيث الصحيح منْ أن عثمان -رضي الله عنه- اشترى بئر رومة، منْ اليهودي، وسَبّلها للمسلمين، بعد أن سمع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم، يقول: "منْ يشتري بئر رومة، فيوسع بها عَلَى المسلمين، وله الجنة"، وكان اليهودي يبيع ماءها، الْحَدِيث، فإنه كما يدل عَلَى جواز بيع البئر نفسها، وكذلك العين بالقياس عليها، يدل عَلَى جواز بيع الماء؛ لتقريره صلى الله عليه وآله وسلم لليهودي عَلَى البيع.

ويجاب بأن هَذَا كَانَ فِي صدر الإِسلام، وكانت شوكة اليهود فِي ذلك الوقت قوية، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم صالحهم، فِي بادىء الأمر عَلَى ما كانوا عليه، ثم استقرت الأحكام، وشَرَع لأمته تحريم بيع الماء، فلا يعارضه ذلك التقرير، وأيضا الماء هنا دخل لبيع البئر، ولا نزاع فِي جواز ذلك. انتهى ما فِي "النيل" 5/ 155. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:

(المسألة الأولى): فِي درجته:

حديث جابر -رضي الله عنه- هَذَا أخرجه مسلم.

(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:

أخرجه هنا -88/ 4662 - و94/ 4672 - وفي 89/ 6256 و95/ 6266. وأخرجه (م) فِي "البيوع" 1565 (ق) فِي "الأحكام" 2477 (أحمد) فِي "باقي مسند المكثرين" 14229 و14234. والله تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة): فِي فوائده:

(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان حكم بيع الماء، وهو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015