تفترقا الخ" وقوله (بسِعْرِ يَوْمِهَا) قيل: التقييد به عَلَى سبيل الاستحباب، وفيه نظر لا يخفى، بل الحقّ أنه للوجوب، كما سيأتي تحقيقه، إن شاء الله تعالى (مَا لَمْ تَفْتَرِقَا) "ما" مصدريّة ظرفيّة: أي مدةَ عدم افتراقكما (وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ") جملة فِي محلّ نصب عَلَى الحال منْ الفاعل، يعني أنه لا بأس بأخذ الدنانير مكان الدراهم، وبالعكس مدة عدم افتراقكما، والحال أنه لم يبق بينكما شيء منْ البدلين غير مقبوض.
قَالَ الخطّابيّ رحمه الله تعالى: اقتضاء الذهب منْ الفضّة، والفضّة منْ الذهب عن أثمان السلعة، هو فِي الحقيقة بيع ما لم يُقبض، فدلّ جوازه عَلَى أن النهي عن بيع ما لم يُقبض إنما ورد فِي الأشياء التي يُبتغى ببيعها، وبالتصرّف فيها الربح، كما رُوي أنه -صلى الله عليه وسلم- "نهى عن ربح ما لم يُضمن"، واقتضاءُ الذهب منْ الفضة خارجٌ عن هَذَا المعنى؛ لأنه إنما يُراد به التقابض، والتقابض منْ حيث لا يشقّ، ولا يتعذّر، دون التصارف، والترابح.
ويبيّن لك صحّة هَذَا المعنى قوله: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها": أي لا تطلب فيها ربح ما لم تضمن، واشترط أن لا يفترقا، وبينهما شيء؛ لأن اقتضاء الدراهم منْ الدنانير صرفٌ، وعقد الصرف لا يصحّ إلا بالتقابض. انتهى. "معالم السنن" 5/ 25 - 26. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما هَذَا ضعيف، مرفوعًا، وإنما يصحّ موقوفًا عَلَى ابن عمر، وذلك لتفرّد سماك بن حرب عن سعيد بن جبير برفعه, وَقَدْ خالفه داود ابن أبي هند، وهو أحفظ منه، وأثبت، فرواه عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر، موقوفًا عليه، كما لم يرفعه سائر أصحاب ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
فقد أخرج البيهقيّ فِي "المعرفة" 4/ 353 - بسنده عن علي بن عبد الله، قَالَ: سمعت أبا داود الطيالسيّ، يقول: كنّا عند شعبة، فجاءه خالد بن طليق، وأبو ربيع السمّان، وكان خالد الذي سأله, فَقَالَ: يا أبا بسطام، حدّثنا بحديث سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر فِي اقتضاء الورق منْ الذهب، والذهب منْ الورق، وَقَالَ شعبة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، ولم يرفعه، وحدثنا قتادة، عن سعيد ابن المسيّب، عن ابن عمر، ولم يرفعه، وحدّثنا داود بن أبي هند، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر، ولم يرفعه، وحدثنا يحيى بن أبي إسحاق، عن سالم، عن ابن عمر، ولم