قَالَ الذهبيّ: مات الحارث سنة (243) وأين مثل الحارث، فكيف لو رأي أبو زرعة تصانيف المتأخّرين، كـ"القوت" لأبي طالب، وأين مثل "القوت"؟ كيف لو رأى "بهجة الأسرار" لابن جهضم، و"حقائق التفسير" للسلميّ، لطار لبّه، كيف لو رأى تصانيف أبي حامد الطوسيّ فِي ذلك عَلَى كثرة ما فِي "الإحياء" منْ "الموضوعات" كيف لو رأى "الغنية" للشيخ عبد القادر، كيف لو رأى "فصوص الحكم"، و"الفتوحات المكيّة"، بلى لَمّا كَانَ الحارث لسان القوم فِي ذلك العصر، كَانَ معاصره ألف إمام فِي الْحَدِيث، فيهم مثل أحمد بن حنبل، وابن راهويه، ولَمّا صار أئمة الْحَدِيث مثل ابن الدخميسي، وابن شحانة، كَانَ قطب العارفين كصاحب "الفصوص"، وابن سفيان (?)، نسأل الله العفو، والمسامحة، آمين انتهى.

وبالجملة فمن لم يستغن بكتاب الله تعالى، وكتب السنة المطهرة، كالكتب الستة، وغيرها، فلا يرجى منه خير أبدًا، فعليه أن يبكي عَلَى نفسه، ويتوب إلى الله تعالى، ويسأله أن يصلح قلبه، وقالبه. والله تعالى أعلم.

ولنعد إلى كلام القرطبيّ، قَالَ رحمه الله تعالى:

[تنبيه]: الجوارح، وإن كانت تابعة للقلب، فقد يتأثّر القلب بأعمالها، للارتباط الذي بين الباطن والظاهر، والقلب مع الجوارح كالملك مع الرعيّة، إن صلح صلحت، ثم يعود صلاحها عليه بزيادة مصالح ترجع إليه، ولذلك قيل: الملك سوقٌ، ما نفق عنده جُلب إليه.

وَقَدْ نصّ عَلَى هَذَا المعنى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "إن الرجل ليصدق، فينكت فِي قلبه نكتة بيضاء، حَتَّى يُكتب عند الله صدّيقًا، وإن الرجل ليكذب الكذبة، فيسودّ قلبه حَتَّى يُكتب عند الله كذّابًا" (?).

وأخرج أحمد، والترمذيّ، وابن ماجه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "إن العبد إذا أخطأ خطيئة، نُكتت فِي قلبه نكتةٌ سوداء، فإذا هو نزع، واستغفر، وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها، حَتَّى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]، قَالَ الترمذيّ: هَذَا حديث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015