فِي "الفتح" 9/ 618.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي استظهره فِي "الفتح" منْ حمل النهي عَلَى التحريم، كما قَالَ المالكية، هو الحقّ عندي، كما تقدّم بيانه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي حكم صيد البحر (?):
قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: قد أجمع المسلمون عَلَى إباحة السمك، قَالَ بعض أصحابنا: يحرم الضفدع؛ للحديث فِي النهى عن قتلها، قالوا: وفيما سوى ذلك ثلاثة أوجه: [أصحها]: يحلّ جميعه؛ لهذا الْحَدِيث. [والثانى]: لا يحل. [والثالث]: يحل ما له نظير مأكول فِي البر، دون ما لا يؤكل نظيره، فعلى هَذَا تؤكل خيل البحر، وغنمه، وظباؤه، دون كلبه، وخنزيره، وحماره، قَالَ: قَالَ أصحابنا: والحمار، وإن كَانَ فِي البر مأكول وغيره، ولكن الغالب غير المأكول، هَذَا تفصيل مذهبنا.
وممن قَالَ بإباحة جميع حيوانات البحر، إلا الضفدع: أبو بكر الصديق، وعمر، وعثمان، وابن عباس، رضي الله عنهم، وأباح مالك الضفدع، والجميع، وَقَالَ أبو حنيفة: لا يحل غير السمك، وأما السمك الطافىء، وهو الذي يموت فِي البحر، بلا سبب، فمذهبنا إباحته، وبه قَالَ جماهير العلماء، منْ الصحابة، فمن بعدهم، منهم: أبو بكر الصديق، وأبو أيوب، وعطاء، مكحول، والنخعي، ومالك، وأحمد، وأبو ثور، وداود، وغيرهم. وَقَالَ جابر بن عبد الله، وجابر بن زيد، وطاوس، وأبو حنيفة: لا يحل.
دليلنا قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} الآية [المائدة: 96]، قَالَ ابن عباس، والجمهور: صيده ما صدتموه، وطعامه ما قذفه، وبحديث جابر هَذَا، وبحديث: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته"، وهو حديث صحيح، وبأشياء مشهورة، غيرِ ما ذكرنا.
وأما الْحَدِيث المروي عن جابر، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "ما ألقاه البحر، وجزر عنه، فكلوه، وما مات فيه، فطفا فلا تأكلوه"، فحديث ضعيفٌ باتفاف أئمة الْحَدِيث (?)، لا يجوز الاحتجاج به، لو لم يعارضه شيء، كيف وهو معارضٌ بما ذكرناه.
[فإن قيل]: لا حجة فِي حديث العنبر؛ لأنهم كانوا مضطرّين.
[قلنا]: الاحتجاج بأكل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- منه فِي المدينة، منْ غير ضرورة. انتهى كلام