وَأُعِلَّ أَيْضًا بِأنَّ فِي السَّنَد رَاوِيًا مَجْهُولاً، لَكِنْ قَدْ أَخرَجَ الطَّبرِيُّ، طَرِيق يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير، عَن رَجُل منْ أَهْل حِمْص، قَالَ: كُنَّا مَعَ خَالِد، فَذَكَرَ أَنَّ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- حَرَّمَ لُحُوم الْحُمُر الأَهْليَّة، وَخَيْلهَا، وَبِغَالهَا، وَأُعِلَّ بِتَدْلِيسِ يَحْيَى، وإبْهَام الرَّجُل، وَادَّعَى أَبُو دَاوُدَ، أَنَّ حَدِيث خَالِد بن الْوَلِيد مَنْسُوخ، وَلَمْ يُبَيِّن نَاسِخه، وَكَذَا قَالَ النَّسَائِيُّ: الأَحَادِيث فِي الإِبَاحَة أَصَحّ، وَهَذَا إِنْ صَحَّ كَانَ مَنْسُوخًا، وَكَأنَّهُ لَمَّا تَعَارَضَ عِنْده الْخَبَرَانِ، وَرَأَى فِي حَدِيث خَالِد "نَهَى"، وَفِي حَدِيث جَابِر "أَذِنَ"، حَمَلَ الإذْن عَلَى نَسْخ التَّحْرِيم، وَفِيهِ نَظَر؛ لِأَنَّهُ لا يَلْزَم منْ كَوْن النَّهْي سَابقًا عَلَى الإذْن، أنْ يَكُون إِسْلام خَالَد سَابِقًا عَلَى فَتْح خَيْبَر، وَالأَكْثَر عَلَى خِلَافه، وَالنَّسْخَ لا يَثْبُت بالاحْتِمَال. وَقَدْ قَرَّرَ الْحَازِمِيّ النَّسْخ، بَعْد أنْ ذَكَرَ حَدِيث خَالِد، وَقَالَ: هُوَ شَامِيّ الْمَخْرَج، جَاءَ منْ غَيْر وَجْه، بِمَا وَرَدَ فِي حَدِيث جَابِر مِنْ "رَخَّصَ"، و"أَذِنَ"؛ لأَنَّه منْ ذَلِكَ يَظْهَر أَنَّ الْمَنْع كَانَ سَابِقًا، وَالإذْن مُتَأخِّرًا، فَيَتَعَيَّن المَصِير إِلَيْهِ، قَالَ: وَلَوْ لَمْ تَرِد هَذِهِ اللَّفْظَة، لَكَانَتْ دَعْوَى النَّسْخ مَرْدُودَة؛ لِعَدَم مَعْرِفَة التَّارِيخ. انتهى.
قَالَ الحافظ: وَلَيْسَ فِي لَفْظ "رَخَّصَ"، و"أَذِنَ" مَا يَتَعَيَّن مَعَهُ الْمَصِير إِلَى النَّسْخ، بَلْ الَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْحُكْم فِي الْخَيْل، وَالْبِغَال، وَالْحَمِير، كَانَ عَلَى الْبَرَاءَة الأَصْليَّة، فَلَمَّا نَهَاهُمْ الشَّارع يَوْم خَيْبَر عَنْ الْحُمُر، وَالْبِغَال، خُشِيَ أَنْ يَظُنُّوا أَنَّ الْخَيْل كَذَلِكَ؛ لِشَبَهِهَا بِهَا، فَأَذِنَ فِي أَكْلَهَا، دُون الحَمِير وَالْبِغَال، وَالرَّاجِح أَنَّ الأَشْيَاء قَبْل بَيَان حُكْمهَا فِي الشَّرْع، لا تُوصَف لا بِحِلٍّ، وَلا حُرْمَة، فَلا يَثْبُت النَّسْخ فِي هَذَا.
وَنَقَلَ الْحَازِمِيّ أَيْضًا، تَقْرِير النَّسْخ بِطَرِيقٍ أُخْرَى، فَقَالَ: إِنَّ النَّهْي عَنْ أَكْلِ الْخَيْل وَالْحَمِير، كَانَ عَامًّا منْ أجْل أَخْذهمْ لَهَا، قَبْل الْقِسْمَة وَالتَّخْمِيس، وَلِذَلِكَ أَمَرَ بِإِكْفَاءِ الْقُدُور، ثُمَّ بَيَّنَ بِنِدَائهِ بأَنَّ لُحُوم الْحُمُر رِجْس، أَنَّ تَحْرِيمهَا لِذَاتهِا، وَأَنَّ النَّهْي عَنْ الْخَيْل إِنَّمَا كَانَ بِسَبَبِ تَرْك الْقِسْمَة خَاصَّة.
وَيَعْكُرَ عَلَيْه أَنَّ الأَمْر بِإِكْفَاءِ الْقُدُور، إِنَّمَا كَانَ بِطَبْخِهِم فِيهَا الْحُمُر، كَمَا هُوَ مُصَرَّح بهِ فِي الصَّحِيح، لا الْخَيْل، فَلا يَتِمّ مُرَاده.
وَالْحَقّ أنَّ حَدِيث خَالِد، وَلَوْ سَلِمَ أَنَّهُ ثَابِت، لا يَنْهَض مُعَارِضًا، لِحَدِيثِ جَابِر الدَّالّ عَلَى الْجَوَاز، وَقَد وَافَقَهُ حَدِيث أَسْمَاء.
وَقَدْ ضَعَّفَ حَدِيث خَالِد أَحْمَد، وَالبُخَارِيّ، وَمُوسَى بْن هَارُون، وَالدَّارَقُطنِيّ، وَالْخَطَّابِيّ، وَابْن عبد البرّ، وَعَبد الْحَقّ، وَآخَرُونَ. وَجَمَعَ بَعْضهمْ بَيْن حَدِيث جَابِر، وَخَالِد بِأَنَّ حَدِيث جَابِر دَالّ عَلَى الْجَوَاز فِي الْجُمْلَة، وَحَدِيث خَالِد دَالّ عَلَى الْمَنْع فِي حَالَة دُونِ حَالَة؛ لأَنَّ الْخَيْل فِي خَيْبَر، كَانَتْ عَزِيزَة، وَكَانُوا مُحْتاجِينَ إِلَيْهَا لِلْجِهَادِ، فلا