أكل كلّ ذي ناب، وإلى هَذَا ذهب الجمهور منْ السلف، وغيرهم، وسيأتي تحقيق الخلاف فِي ذلك قريبًا، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه هَذَا أخرجه مسلم.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -28/ 4326 - وفي "الكبرى" 30/ 4836. وأخرجه (م) فِي "الصيد" 3573 و"الأطعمة" 1479 (ق) فِي "الصيد" 3233 (أحمد) فِي "باقي مسند المكثرين" 7183 و8571 و9141 (الموطأ) فِي "الصيد" 10761. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): فِي اختلاف أهل العلم فِي حكم أكل ذي الناب منْ السباع، وذي المخلب منْ الطيور:
فأما ذو الناب منْ السباع، فذهب أكثر أهل العلم إلى تحريم كلّ ذي ناب قويّ منْ السباع، يعْدُو، ويَكسِر، إلا الضبع، منهم: مالك، والشافعيّ، وأبو ثور، وأصحاب الْحَدِيث، وأبو حنيفة، وأصحابه. وَقَالَ الشعبيّ، وسعيد بن جُبير، وبعض أصحاب مالك: هو مباح؛ لعموم قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الآية [الأنعام: 145]، وقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} الآية [البقرة: 173].
واحتجّ الأولون بحديث أبي هريرة، وأبي ثعلبة رضي الله تعالى عنهما المذكورين فِي الباب. قَالَ الحافظ ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى: هَذَا حديث ثابتٌ، صحيح، مُجمع عَلَى صحّته، وهذا نصّ صريح يخُصّ عموم الآيات، فيدخل فِي هَذَا الأسد، والنمر، والفهد، والذئب، والكلب، والخنزير. وَقَدْ رُوي عن الشعبيّ أنه سئل عن رجل يتداوى بلحم الكلب؟ فَقَالَ: لا شفاه الله. وهذا يدلّ عَلَى أنه رأى تحريمه. انتهى.
وأما ذو المخلب منْ الطيور، وهي التي تعلِّق بمخالبها الشيء، وتصيده بها، فذهب أكثر أهل العلم أيضاً إلى تحريمه، وبه قَالَ الشّافعيّ، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وَقَالَ مالك، والليث، والأوزاعيّ، ويحيى بن سعيد: لا يحرم شيء منْ الطير، قَالَ مالك: لم أر أحدًا منْ أهل العلم يَكره سباع الطير. واحتجّوا بعموم الآيات المبيحة، وقول أبي الدرداء، وابن عبّاس رضي الله تعالى عنهم: ما سكت الله، فهو مما عفا عنه.