عَنْ عَبْد الله بن مَسْعُود رضي الله تعالى عنه، قَالَ: "سُئلَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- عَن الْقِرَدَة، وَالْخَنَازِير، أَهِيَ مِمَّا مُسِخَ؟ قَالَ: "إِنَّ الله لَمْ يُهْلِك قَوْمًا" -أَو "يَمْسَخ قَوْمًا- فَيَجْعَل لَهُمْ نَسْلاً، وَلَا عَاقِبَة".

وَأَصْل هَذَا الْحَدِيث فِي مُسْلِم، وَكَأنّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرهُ، منْ "صَحِيح مُسْلِم"، وَيُتَعَجَّبُ مِنْ ابْن العَرَبِيّ، حَيْثُ قَالَ: قَوْله: "إِنَّ الْمَمْسُوخ لا يَنْسِلُ" دَعْوَى، فَإِنَّهُ أمْر لا يُعْرَف بالْعَقْل، وَإِنَّمَا طَرِيقه النَّقْل، وَلَيْسَ فِيهِ أَمْر يُعَوَّل عَلَيْهِ. كَذَا قَالَ. ثُمَّ قَالَ الطحَاويُّ -بَعْد أن أَخْرَجَهُ منْ طُرُق، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيث ابْن عُمَر-: فَثَبَتَ بهَذِهِ الآثَار، أَنَّهُ لا بَأْس بأَكْلِ الضَّبّ، وَبِهِ أَقُول.

قَالَ: وَقَد احْتَجَّ مُحَمَّد بْن الحَسَنُ لِأَصْحَابِهِ، بِحَدِيثِ عَائِشَة، فَسَاقَهُ الطَّحَاوِيُّ منْ طَرِيق حَمَّاد بن سَلَمَة، عَن حَمَّاد بن أَبِي سُلَيْمَان، عَن إِبرَاهِيم، عَن الأَسْوَد، عَن عَائِشَة: "أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَلَمْ يَأْكُلهُ، فَقَامَ عَلَيْهِمْ سَائِل، فَأَرَادَتْ عَائِشَة أنْ تُعْطِيه، فَقَالَ لَهَا: أَتُعطِيهِ مَا لا تَأكُلِينَ؟ "، قَالَ مُحَمَّد: دَلَّ ذَلِكَ عَلَى كَرَاهَته لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ.

وَتَعَقبَهُ الطَّحَاوِيُّ بِاحْتِمَالِ أنْ يَكُون ذَلِكَ، مِنْ جِنْس مَا قَال الله تَعَالَى: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} الآية [البقرة: 267]، ثُمَّ سَاقَ الأَحَادِيث الدَّالَّة عَلَى كَرَاهَة التَّصَدُّق بِحَشَفِ التَّمْر، وَبِحَدِيثِ البَرَاء: "كَانُوا يُحِبُّونَ الصَّدَقَة بِأَرْدَاءِ تَمْرهم، فَنَزَلَت: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} الآيَة [البقرة: 267]. قَالَ: فَلِهَذَا الْمَعْنَى كَرِهَ لِعَائِشَة الصَّدَقَة بِالضَّبِّ، لا لِكَوْنِهِ حَرَامًا. انتهى. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ عَن مُحَمَّد، أَنَّ الْكَرَاهَة فِيهِ لِلتَّحْرِيم، وَالمَعْرُوف عَن أَكثَر الحَنَفِيَّة فِيهِ كَرَاهَة التَّنْزيَه.

وَجَنَحَ بَعْضهمْ إِلَى التَّحْرِيم، وَقَالَ: اخْتَلَفَت الأَحَادِيث، وَتَعَذَّرَتْ مَعْرِفَة الْمُتَقَدِّم، فرَجَّحْنا جَانِب التَّحْرِيم؛ تَقْلِيلا لِلنَّسْخِ انتهى. وَدَعْوَاهُ التَّعَذُّر مَمْنُوعَة؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَالله أَعْلَم. وَيَتَعَجَّب منْ ابن العَرَبِيّ، حَيْثُ قَالَ: قَوْلهم: "إنَّ الْمَمْسُوخ لا يَنْسَلُ"، دَعْوَى، فَإِنَّهُ أَمْر لا يُعْرَف بِالعَقْلِ، وَإِنَّمَا طَرِيقه النَّقْل، وَلَيْسَ فِيهِ أمْر يُعَوَّل عَلَيْهِ، كَذَا قَالَ، وَكَأنَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرهُ منْ "صَحِيح مُسْلِم"، ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى تَقْدِير ثُبُوت كَوْن الضَّبّ مَمْسُوخًا، فَذَلِكَ لا يَقْتَضي تَحْرِيم أَكْله، لأَنَّ كَوْنه آدَميًّا، قَدْ زَالَ حُكْمه، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَر أَصْلاً، وإنَّمَا كَرِهَ -صلى الله عليه وسلم- الأَكْل مِنْهُ؛ لِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ منْ سَخَط الله، كَمَا كَرِهَ الشُّرْب مِنْ مِيَاه ثَمُود. انتهى.

قَالَ الحافظ: وَمَسْأَلَة جَوَاز أَكْل الآدَمِيّ، إِذَا مُسِخَ حَيَوَانًا مَأْكُولاً، لَمْ أَرَهَا فِي كُتُب فُقَهَائِنَا. -يعني الشافعية-. انتهى كلام الحافظ رحمه الله تعالى ببعض تصرّف (?). والله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015