[وَالْجَواب]: أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم-، كَانَ يُخْبَر بِأَشيَاء مُجْمَلَة، ثُمَّ يَتبَيَّن لَهُ كَمَا قَالَ فِي الدَّجَّال: "إنْ يَخْرُج وَأَنَّا فِيكُم، فأنَا حَجِيجُهُ"، ثُمَّ أُعْلِمَ بَعد ذَلِكَ أنَّهُ لا يَخْرُج إِلَّا فِي آخِر الزَّمَان، قَبْلَ نُزُول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلام، فَأخْبَرَ أصْحَابَهُ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهه، فَكَذَلِكَ هَذَا عَلِمَ -صلى الله عليه وسلم- بِالْمَسْخِ، وَلَمْ يَعْلَم أَنَّ الْمَمْسُوخَ لا يَعِيش، وَلا يُعْقَبُ لَهُ، فَكَانَ فِي الظَّنِّ وَالْحِسَاب، عَلَى حَسَب الْقَرَائن الظَّاهِرَة. انْتَهَى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:

(المسألة الأولى): فِي درجته:

حديث ثابت بن يزيد الأنصاريّ رضي الله تعالى عنه هَذَا صحيح.

(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:

أخرجه هنا -4322 و4323 و4324 - وفي "الكبرى" 28/ 4832 و4833 و4834. وأخرجه (د) فِي "الأطعمة" 3795. والله تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة): فيما قاله العلماء فِي الجمع بين حديث ثابت بن يزيد هَذَا، والأحاديث الماضية:

قَالَ فِي "الفتح": أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، مِنْ حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن حَسَنَة: "نَزَلْنَا أَرْضًا كَثِيرَة الضَّبَاب ... " الْحَدِيث، وَفِيهِ أَنَّهمْ "طَبَخُوا مِنْهَا، فَقَالَ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ أُمَّة مِنْ بَنِي إسْرَائِيل، مُسِخَتْ دَوَابّ فِي الأَرْض، فَأَخْشَى أَنْ تَكُون هَذِهِ، فَأَكْفِئُوهَا". أَخْرَجَهُ أَحْمَد، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّان، وَالطَّحَاوِيّ، وَسَنَده عَلَى شَرْط الشَّيْخَيْنِ، إِلَّا الضَّحَّاك، فَلَم يُخَرِّجَا لَهُ. وَلِلطَّحَاوِيّ مِنْ وَجْه آخَر، عَن زَيْد بْن وَهْب، وَوَافَقَهُ الْحَارِث بْن مَالِك، وَيَزِيد يْن أَبِي زِيَاد، وَوَكِيع فِي آخِره: "فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاس قَدْ اشْتَوَوْهَا، وأَكَلُوهَا، فَلَم يَأْكُلْ، وَلَمْ يَنْهَ عَنهُ". وَقد دلّت الأحَادِيث، المَاضِيَة، عَلَى الْحِلّ تَصْريحًا وَتَلْوِيحًا، نَصًّا وَتَقْرِيرًا.

فَالْجَمْع بَيْنهَا وَبَيْن هَذَا أن يُحَمَلُ النَّهْى فِيهِ عَلَى أَوَّل الْحَال، عِنْد تَجْوِيز أنْ يَكُون مِمَّا مُسِخَ، وَحِينَئِذٍ أَمَرَ بِإِكْفَاءِ القُدُور، ثُمَّ تَوقَّفَ، فَلَم يأْمُر بِهِ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ، ويُحمَلَ الإذن فِيهِ عَلَى ثَانِي الْحَال، لَمَّا عَلِمَ أَنَّ المَمْسُوخ، لَا نَسْل لَهُ، ثُمَّ بَعْد ذَلِكَ، كَانَ يَسْتَقْذِرهُ، فَلا يَأْكُلهُ، وَلا يُحَرِّمهُ، وَأُكِلَ عَلَى مَائِدَته، فَدَلَّ عَلَى الإِبَاحَة، وَتَكُون الْكَرَاهَة لِلتَّنْزيهِ فِي حَقّ مَنْ يَتَقَذَّرهُ، وَتُحمَلَ أَحَادِيث الإبَاحَة، عَلَى مَنْ لا يَتَقَذَّرهُ، وَلا يَلْزَم منْ ذَلِك، أَنَّهُ يُكْرَه مُطْلَقًا.

وَقَد أَفْهَمَ كَلَام ابْن العَرَبِيّ، أَنَّهُ لا يَحِلّ فِي حَقِّ مَن يَتَقَذَّرهُ؛ لِمَا يُتَوَقَّع فِي أَكْله منْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015