حَتَّى يتكرّر. انتهى كلام ابن قُدامة بتصرّف (?).
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: القول الأول عندي أقرب؛ دوضوح حجته. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): فِي اختلاف أهل العلم فِي إلحاق غير الكلب به فِي جواز الصيد:
قَالَ ابن قُدامة رحمه الله تعالى أيضًا: وكلّ ما يقبل التعليم، ويُمكن الاصطياد به منْ سباع البهائم، كالفهد، أو جوارح الطير، فحكمه حكم الكلب فِي إباحة صيده. قَالَ ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما فِي قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} الآية: هي الكلاب المعلّمة، وكلّ طير تعلّم الصيد، والفُهود، والصقور، وأشباهها. وبمعنى هَذَا قَالَ طاوس، ويحيى بن أبي كثير، والحسن، ومالك، والثوريّ، وأبو حنيفة، ومحمد ابن الحسن، والشافعيّ، وأبو ثور. وحكي عن ابن عُمر، ومجاهد أنه لا يجوز الصيد إلا بالكذب؛ يقول الله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] يعني كَلَّبتم منْ الكلاب.
واحتجّ الأولون بما روى عن عديّ بن حاتم رضي الله تعالى عنه، قَالَ: سألت رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم عن صيد البازي؟ فَقَالَ: "إذا أمسك عليك، فكل" (?)، ولأنه جارحٌ يُصاد به عادةً، ويقبل التعليمَ، فأشبه الكلب، فأما الآية فإن الجوارح الكواسب، {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: 60]: أي كسبتم، وفلان جارحة أهله: أي كاسبهم {مُكَلِّبِينَ} منْ التكليب، وهو الإغراء. انتهى كلام ابن قدامة رحمه الله تعالى (?).
وَقَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: ألحق الجمهور بالكلب كلّ حيوان معلّم، يتأتّى به الاصطياد، تمسّكًا بالمعنى، وبما رواه الترمذيّ عن عديّ بن حاتم رضي الله تعالى عنه أنه قَالَ: سألت رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم عن صيد البازي؟ فَقَالَ: "إذا أمسك عليك، فكل"، عَلَى أن فِي إسناده مجالدًا، ولايُعرف إلا منْ حديثه، وهو ضعيف، والمعتمد النظر إلى المعنى، وذلك أن كلّ ما يتأتّى منْ الكلب يتأتّى منْ الفهد مثلًا، فلا فارق إلا فيما لا مدخل له فِي التأثير، وهذا هو القياس فِي معنى الأصل، كقياس السيف عَلَى المدينة التي ذبح النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم بها، وقياس الأمة عَلَى العبد فِي سراية العتق.