العَربيّ بقوْلِهِ: "وَمَا حَوْلَهَا" عَلَى أَنَّهُ كَانَ جامِدًا، قَالَ: لِأنَّهُ لو كَانَ مائِعًا لم يكُن لهُ حوْلٌ؛ لِأنَّه لو نُقِلَ منْ أيّ جانِب مَهْما نُقِلَ، لَخَلَفهُ غيره فِي الْحَال، فيَصِير مِمَّا حَوْلهَا، فيُحْتاجِ إِلى إِلْقَائِهِ كُلّه، كَذَا قَالَ.
وأمَّا ذِكْر السَّمْن وَالْفَأْرَة، فَلَا عَمَل بِمَفْهُومِهِمَا، وَجَمَدَ ابْن حَزْم عَلَى عَادَته، فَخَصَّ التَّفْرِقَة بِالفَأرةِ، فَلَو وقَعَ غَيْر جِنْس الفَأر منْ الدَّوابّ، فِي مَائِع لمْ يَنْجَس، إِلَّا بِالتَّغيُّرِ. وَضَابِط المَائِع عِنْد الْجُمْهُور أَنْ يَتَرَادّ بِسُرْعةٍ، إِذَا أُخِذ مِنْهُ شَيْء.
(ومنها): أنَّه استُدِلَّ بِقوْلِهِ: "فَمَاتَتَ" عَلَى أنَّ تأثِيرها فِي المَائِع إِنَّمَا يكُون بِمَوْتهِا فِيهِ، فلَوْ وقَعَتْ فِيهِ، وخَرَجَتْ بِلا مَوْت لَمْ يَضُرّهُ، ولم يقع فِي رواية مالِك التَّقْيِيد بِالمَوْتِ، فيلزم مَنْ لا يَقُول بِحَمْلِ المُطْلَق عَلَى الْمُقيَّد، أنْ يقُول بِالتَّأثِيرِ، ولوْ خَرَجَتْ وَهِي فِي الْحَيَاة، وَقَدْ الْتَزَمَهُ ابْن حَزْم، فَخَالَفَ الْجُمْهُور أيْضًا.
(ومنها): أنه اسْتُدِل بِقوْلِهِ فِي الرِّواية المُفَصَّلة: "وَإِنْ كَانَ مَائِعًا، فلا تَقْربُوهُ"، عَلَى أنَّهُ لا يَجُوز الانْتِفَاع بِهِ فِي شَيْء، فَيَحْتَاجُ منْ أجَازَ الانْتِفاع بِهِ فِي غَيْر الأكْل، كَالشَّافِعِيَّةِ، وأجاز بَيْعه كالْحَنفِيَّةِ، إِلى الجَواب -أي عن حدِيث الباب- فَإِنَّهُم احْتَجُّوا بِهِ فِي التَّفْرِقة بين الجَامِد والمَائِع، وَقَدْ احْتجَّ بَعْضهمْ بِمَا وقَعَ فِي رِواية عبد الجَبَّار بن عُمَر، عِند البَيْهقِيِّ، فِي حدِيث ابْن عُمر: "إِنْ كَانَ السَّمْن مائِعًا، انْتَفعُوا بِهِ، وَلا تأكُلُوهُ"، وَعِنْده فِي رِواية ابْن جُرَيْجٍ مِثْله، وَقَدْ تَقَدَّم أَنَّ الصَّحِيح وَقْفه. وَعِنْده منْ طَرِيق الثَّوْرِيّ، عن أيُّوب، عَن نافِع، عن ابْن عُمر، فِي فَأْرة وَقَعَتْ فِي زَيْت، قَالَ: "اسْتصْبِحُوا بِهِ، وادْهُنُوا بِهِ أُدُمكُمْ"، وهذا السَّنَد عَلَى شَرْط الشَّيْخَيْنِ، إِلَّا أنَّهُ موْقُوف.
(ومنها): أنه اسْتُدِلَّ بهِ عَلَى أنَّ الفَأْرَة طَاهِرَة الْعَيْن، وَأَغْرَبَ ابْن الْعَرَبِيّ فَحَكَى عَن الشَّافِعِيّ، وأبِي حَنِيفة أنَّها نَجِسَة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
4261 - (أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ، وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ جَامِدٍ، فَقَالَ: "خُذُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، فَأَلْقُوهُ").
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: "محمد بن يحيى": هو الذهليّ. و"عبد الرحمن": هو ابن مهديّ. و"مالك": هو ابن أنس الإمام الجليل.
والحديث صحيح، وَقَدْ تقدّم شرحه، وبيان مسائله فِي الحديث الذي قبله. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.