القضيّة بنفسه، لكن أخبرته بتفاصيلها خالته ميمونة رضي الله تعالى عنها، حيث إن تلك الشاة كانت لمولاتها، فكان يُحدّث تارة بهذا، وتارة بهذا، ولا مانع منْ ذلك، بل مثل هَذَا كثير فِي أحاديث الحفّاظ، والله تعالى أعلم.
(أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ عَلَى شَاةٍ مَيِّتَةٍ) بتخفيف الياء، ويجوز تشديدها، قَالَ الفيّوميّ: الْمَيْتَةُ منْ الحيوان ما مات حَتْفَ أَنْفِهِ، والجمع مَيْتَات، وأصلها مَيِّتَةٌ بالتشديد، قيل: والتُزم التشديد فِي ميّتة الأناسيّ؛ لأنه الأصل، والتُزِم التخفيف فِي غير الأنَاسيّ؛ فرقًا بينهما، ولأن استعمال هذه أكثر منْ الأدميّات، فكانت أولى بالتخفيف. انتهى (مُلْقَاةٍ) بضم الميم اسم مفعول أُلقِي: أي مرمية (فَقَالَ) صلّى الله تعالى عليه وسلم (لِمَنْ هَذِهِ؟ " فَقَالُوا) قَالَ الحافظ: لم أقف عَلَى تعيين القائل (لِمَيْمُونَةَ) أي لمولاتها؛ وإنما أضافوها إليها؛ لكونها تخدمها، وتلزمها. وفي الرواية الآتية منْ طريق حفص بن الوليد، عن الزهريّ: "أبصر رسول صلّى الله تعالى عليه وسلم شاةً ميتةً لمولاة لميمونة، وكانت منْ الصدقة ... " (فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (مَا عَلَيْهَا) أي ليس عليها بأس (لَوِ انْتَفَعَتْ بِإِهَابِهَا) بكسر الهمزة، قَالَ أبو داود فِي "سننه": قَالَ النضر بن شُميل: إنما يُسمّى إهابًا ما لم يُدبغ، فإذا دُبغ لا يُقال له: إهابٌ، إنما يُسمّى شنّا، وقِرْبَة. انتهى. وَقَالَ فِي "الصحاح": والإهاب: الجلد ما لم يُدبغ. انتهى. وَقَالَ فِي "النهاية": هو الجلد. وقيل: إنما يقال للجلد إهابٌ قبل الدبغ، فأما بعده فلا. انتهى. وَقَالَ فِي "القاموس": الإهاب، ككتاب: الجلد، أو ما لم يُدبغ، جمعه آهِبةٌ، وأُهُبٌ، وأَهَبٌ. انتهى. وَقَالَ الفيّوميّ: الإهاب: الجلدُ قبل أن يُدبغ، وبعضهم يقول: الإهاب الجلد، وهذا الإطلاق محمولٌ عَلَى ما قَيَّدهُ الأكثرُ، فإن قوله صلّى الله تعالى عليه وسلم: "أيُّما إهاب دُبغ" يدلّ عليه، والجمعُ أُهُبٌ بضمّتين عَلَى القياس، مثلُ كتاب وكُتُب، وبفتحتين عَلَى غير قياس، قَالَ: بعضهم: وليس فِي كلام العرب فِعَالٌ يُجمع عَلَى فعلِ -بفتحتين- إلاّ إهابٌ، وأَهَبٌ، وعِمَاد وعَمَدٌ، ورُبّما استُعير الإهابُ لجلد الإنسان. انتهى (قَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ) أي فهي محرَّمة، ظنًّا منهم أن التحريم يشمل جلدها كلحمها (فَقَالَ) صلّى الله تعالى عليه وسلم ردًّا عَلَى ظنهم (إِنَّمَا حَرَّمَ) بتشديد الراء، منْ التحريم (اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَكْلَهَا) قَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: خرج عَلَى الغالب مما تُراد اللحوم له، وإلا فقد حرم حملُها فِي الصلاة، وبيعها، واستعمالها، وغير ذلك مما يحرم منْ النجاسات. انتهى (?). وَقَالَ السنديّ: ظاهره أن ما عدا المأكول منْ أجزاء الميتة غير محرّم الانتفاع به، كالشعر، والسنّ، والقرن، ونحوها، قالوا: لا حياة فيها، فلا ينجس بموت الحيوان. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.