قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: كَانَ الأولى للمصنّف رحمه الله تعالى أن يذكر هَذَا الكتاب بعد "كتاب الضحايا"، كما فعل فِي "الكبرى"؛ للمناسبة الواضحة بينهما.
قَالَ الإِمام الحافظ أبو عمر ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى فِي "التمهيد": وأما العقيقة فِي اللغة، فزعم أبو عبيد، عن الأصمعيّ وغيره أن أصلها الشعر الذي يكون عَلَى رأس الصبيّ حين يولد، قَالَ: وإنما سمّيت الشاة التي تُذبح عنه عقيقةً؛ لأنه يُحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح. قَالَ: ولهذا قيل فِي الحديث: "وأميطوا عنه الأذى" يعني بالأذى ذلك الشعر. قَالَ أبو عبيد: وهذا مما قلت لك: إنهم ربّما سمّوا الشيء باسم غيره، إذا كَانَ معه، أو منْ سببه، فسُمّيت الشاة عقيقةً لعقيقة الشعر، وكذلك كلُّ مولود منْ البهائم، فإن الشعر الذي يكون عليه حين يولد عقيقة، وعقّةٌ، قَالَ زُهير يذكر حمار وحش [منْ الوافر]:
أذَلِكَ أمْ شَتِيمُ الْوَجْهِ جَأْبُ (?) ... عَلَيْهِ مِنْ عَقِيقَتِهِ عَفَاءُ
يعني صغار الوبر. وَقَالَ ابن الرقاع فِي الْعِقّة، يصف حمارًا [منْ البسيط]:
تَحسَّرَتْ عِقَّةٌ عَنْهُ فَأَنْسَلَهَا ... وَاجْتَابَ أُخْرَى جَدِيدًا بَعْدَمَا ابْتَقَلَا
مُوَلَّعٍ بِسَوَادٍ فِي أَسَافِلِهِ ... مِنْهُ احْتَذَى وِبِلَوْنٍ مِثْلِهِ اكْتَحَلَا
فجعل العقيقة الشعر، لا الشاة، يقول: لمّا تربّع، وأكل بُقُول الربيع، أنسل الشعر المولود معه، وأنبت الآخر، فاجتابه: أي اكتساه. قَالَ أبو عُبيد: العِقّةُ والعقيقة فِي الناس، والحمُر، ولم يُسمع فِي غير ذلك.
قَالَ أبو عمر: وَقَدْ أنكر أحمد بن حنبل تصير أبي عُبيد هَذَا للعقيقة، وما ذكره عن الأصمعيّ، وغيره فِي ذلك، وَقَالَ: إنما العقيقة: الذبح نفسه. قَالَ: ولا وجه لما قَالَ أبو عبيد. واحتجّ بعض المتأخّرين لأحمد بأن قَالَ ما قَالَ أحمد منْ ذلك، فمعروفٌ فِي اللغة؛ لأنه يقال: عقّ: إذا قطع، ومنه يقال: عقّ والديه: إذا قطعهما. قَالَ أبو عمر: يشهد لقول أحمد قول الشاعر [منْ الطويل]:
بِلَادٌ بَهِا عَقَّ الشَّبَابُ تَمَائِمِي ... وَأَوَّلُ أرْضٍ مَسَّ جِلْدِي تُرَابَهُا