(عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ) زاد فِي رواية لمسلم: "مجدّع": أي مقطوع الأطراف، يقال: جدعت الأنف جدعًا، منْ باب نفع: قطعته، وكذا الأذنُ، واليدُ، والشفة. قاله الفيومي. (يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ) فيه إشارةٌ إلى أنه لا طاعة له فيما يُخالف حكم الله تعالى (فَاسْمَعُوا لَهُ، وَأَطِيعُوا") وَقَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: المراد أخسّ العبيد: أي اسمعوا، وأطيعوا للأمير، وإن كَانَ دنيء النسب، حتى لو كَانَ عبدًا أسود، مقطوع الأطراف، فطاعته واجبة. وتتصوّر إمارة العبد إذا ولّاه بعض الأئمة، أو إذا تغلّب عَلَى البلاد بشوكته، وأتباعه، ولا يجوز ابتداءً عقد الولاية له، مع الاختيار، بل شرطها الحرّيّة. انتهى (?).
وَقَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: هَذَا مبالغة فِي وصف العبد بالضّعةِ والخسّة، وذلك أن العبد إنما تنقطع أطرافه منْ كثرة العمل، والمشي حافيًا. وهذا منه صلّى الله تعالى عليه وسلم عَلَى جهة الإغياء عَلَى عادة العرب فِي تمكينهم المعاني، وتأكيدها، كما قَالَ النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم: "منْ بني لله مسجدًا , ولو مثلَ مَفْحص قطاة، بني الله تعالى له بيتًا فِي الجنة" (?). ومفحص القطاة لا يصلح لمسجد، وإنما هو تمثيلٌ للتصغير عَلَى جهة الإغياء، فكأنه قَالَ: أصغر ما يكون منْ المساجد، وعلى هَذَا التأويل لا يكون حجةٌ لمن استدل عَلَى جواز تأمير العبد فيما دون الإمامة الكبرى, وهم بعض أهل الظاهر فيما أحسب، فإنه قد اتّفق عَلَى أن الإِمام الأعظم لابدّ أن يكون حرّا، عَلَى ما نصّ أصحاب مالك أن القاضي لابدّ أن يكون حرًا. قَالَ: وأمير الجيش والحرب فِي معناه، فإنها مناصب دينيّةٌ، يتعلق بها تنفيذ أحكام شرعيّة، فلا يصلح لها العبد؛ لأنه ناقص بالرقّ، محجور عليه، لا يستقلّ بنفسه، ومسلوب أهليّة الشهادة والتنفيذ، فلا يصلح للقضاء، ولا للإمارة، وأظنّ أن جمهور علماء المسلمين عَلَى ذلك. انتهى كلام القرطبيّ (?).
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: فيما قاله القرطبيّ منْ نفيه تولية العبد عَلَى الإطلاق، نظر لا يخفى، فإن التعليل الذي علّل به عدم الجواز غير لازم، فلو أذن له سيّده، أو كَانَ السيد هو الإِمام الأعظم، فولّاه زالت الموانع، لما عزاه إلى بعض أهل الظاهر إن صح عنهم هو الظاهر، فليُتأمل. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.