تقُل ذَلِكَ، فإِنِّي سمِعت رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- يقُول لِأسْلَمَ: "ابدُوا" قالُوا: إِنَّا نخاف أن نرتدّ بعد هِجرتنا، قَالَ: أنتم مُهاجِرُون حيثُ كُنتُم". وسند كُلّ مِنهُما حسن. قاله فِي "الفتح" (?). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): فِي درجته:

حديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه هَذَا متَّفقٌ عليه.

(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:

أخرجه هنا -23/ 4188 - وفي "الكبرى" 27/ 7809. وأخرجه (خ) فِي "الفتن" 7087 (م) فِي "الإمارة" 1862 (أحمد) فِي "أول مسند المدنيين" 16073. والله تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة): فِي فوائده:

(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان حكم المرتدّ أعرابيّا بعد الهجرة، وهو عدم الجواز إلا بإذن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم.

قَالَ القاضي عِياض رحمه الله تعالى: أجمعت الأمة عَلَى تحرِيم ترك المُهاجِر هِجرته، ورُجُوعه إِلى وطنه، وعلى أنَّ أرتِداد المُهاجِر أعْرابِيًا منْ الكبائِر، قَالَ: لِهذا أشار الحجَّاج إِلى أنْ أعلمهُ سلمة أنَّ خُرُوجه إِلى البادِية، إِنَّما هُو بإِذْنِ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ولعلهُ رجع إِلى غَير وطنه، أو لِأنَّ الغرض فِي مُلازمة المُهاجِر، أرضه الَّتِي هاجر إِليها، وفرْض ذَلِكَ عَلَيْهِ إِنَّما كَانَ فِي زمن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لِنُصرتِهِ، أو لِيكُون معهُ، أو لأنَّ ذَلِكَ إِنَّما كَانَ قبل فتح مكة، فَلمَّا كَانَ الفتح، وأظْهَر الله الإسلام عَلَى الدِّين كُلّه، وأذَلَّ الكُفْر، وأعَزَّ المسلِمِين، سقط فرض الهِجرة، فقال النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا هِجرة بعد الفتح"، وَقَالَ: "مضت الْهِجْرة لِأهلِها"، أيْ الَّذين هَاجرُوا منْ دِيارهم، وأموالهم، قبل فتح مكة؛ لِمُواساةِ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، ومُؤَازَرته، ونُصْرة دِينه، وضبط شَرِيعَته.

قَالَ الْقَاضي: ولم يَخْتلِف العُلَمَاء فِي وُجُوب الهِجرة عَلَى أهل مَكَّة، قبل الْفَتْح، واخْتُلِف فِي غيرهم، فقِيل: لَمْ تكُن واجِبة عَلَى غيرهم، بَلْ كانت ندبًا، ذَكَرهُ أبُو عُبيد فِي "كتاب الأمْوَال"؛ لِأنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- لم يَأْمُر الوُفُود عَلَيْهِ، قبل الفتح بِالهِجرةِ، وقِيل: إِنَّمَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015