(م) في "الجهاد والسير" 1759 (د) في " الخراج والإمارة والفيء" 2968 و 2976 (أحمد) في "مسند العشرة" 26 (الموطأ) في "الجامع" 1870. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): بيان أن الأنبياء - عليه الصلاة والسلام - لا يورثون. (ومنها): أن الحكمة في كون الأنبياء - عليهم السلام - لا يورثون -واللهُ أعْلمُ- أن اللَّه بعثهُم مُبلغِين رِسالته، وأمرهُم أن لا يأخُذُوا على ذَلِكَ أجرا، كما قال تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الأنعام: 90]، وقال نُوخ، وهُود، وغيرُهُما نحو ذَلِكَ، فكانت الحكمة في أن لا يُورثُوا؛ لِئلا يُظنَّ أنهُم جمًعُوا المال لِوارِثِهِنم. وقيل: الحِكمة في كوْن النبيّ لا يُورثُ، حسمُ المادَّةِ في تمنَّي الوارِث موْت المُورّثِ، من أجْلِ المال. وقِيل: لِكونِ النَّبِي كالأبِ لأُمَّتِهِ، فيكُون مِيراثه لِلجمِيع، وهذا معْنى الصَّدقة العامّة. واللَّه تعالى أعلم. (ومنها): أن الراجح أن المراد بالإرث الذي ذكره اللَّه تعالى، حكايته عن زكريا -عليه السلام-، بقوله: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} الآية [مريم: 6] هو إرث النبوّة والحكمة، لا إرث المال.
وقد حكى ابن عبد البّر أن لِلعُلماءِ في ذَلِكَ قوْلينِ: وأن الأكثر على أن الأنبِياء لا يُورثُون. وقيل: إنهم يورثون، وممن ذُكِر أنه قال بذلِك مِن الفُقهاء، إِبراهِيم بن إِسماعِيل ابن عُلية، ونقلهُ عن اِلحسن البصرِي عِياضٌ في "شرحِ مُسلِم"، وأخرج الطبرِيُّ من طرِيق إِسماعِيل بْن ابِي خالِد، عن أبِي صالِح، في قوله تعًالى حِكاية عن زكرِيّا: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ} [مريم: 5]، قال: انعصبة. ومِن قوله: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي} [مريم: 5، 6] قال: يرِث مالي، ويرِث مِن آلِ يعقُوب النبُوْة. ومِق طرِيق قتادة، عن الحسنُ نخوه، لكِن لم يذكُر المال. ومِن طرِيق مُبارك بن فضالة، عن الحسنُ، رفعهُ مُرْسلا: "رحِم اللَّه اخِي زكرِيّا، ما كان عليهِ من يرِثُ مالهُ".
قال الحافظ: وعلى تقدِير تسييم القوْل المذكُورِ، فلا مُعارِض من القُرآن لِقوْلِ نبيَّنا عليهِ الصَّلاة والسَّلام: "لا نُورث، ما تركنا صدقة"، فيكُون ذَلِكَ مِن خصائصه، التي أُكرِم بِها. وأمَّا عُمُوم قوْله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} الآية [النساء: 11]، فأُجِيب عنها بِأنها عامَّة، فِيمن ترك شيئًا كان يملِكُهُ، وإِذا ثبت أنهُ وقفهُ قبل موْتِهِ، فلم يُخلف ما يُورث عنهُ، فلم يُورث. وعلى تقدِير أنهُ خلف شيئًا، مِمّا كان يملِكُهُ، فدُخُولُهُ في الخطاب قابِل لِلتَّخصِيصِ؛ لِما عُرِف من كثرةِ خصائِصِهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -. وقد اشتهر عنهُ أنَّهُ لا