وسلم - ولّى معاذًا على أبي موسى، ولم يَعزل أبا موسى، وعلى هذا يدلّ تنفيذ مُعاذ الحكم بقتل المرتدّ، وإمضاؤه. ويحتمل أن يكون - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - ولّى كلّ واحد منهما على عمل غير عمل الآخر، فإما في الجهات، وإما في الأعمال، وهذا هو الصحيح بدليل ما وقع في "صحيح البخاريّ" أن النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - ولّى معاذًا على مِخْلاف من اليمن، وأبا موسى على مخلاف، والمِخْلافُ واحد المخاليف: وهي الْكُوَر. انتهى (?).
(ومنها): أن بعضهم استدلّ به على أن المرتدّ يُقتل، ولا يُستتاب. وتُعقّب بأنه تقدّم أن هذا اليهوديّ استتيب عدّة أيام، فلم يتب.
(ومنها): أن فيه حجة على أن لوُلاة الأمصار إقامةَ الحدود في القتل، والزنى، وغيرهما، قال القرطبيّ: وهو مذهب كافّة العلماء: مالك، والشافعيّ، وأبي حنيفة، وغيرهم. واختُلف في إقامة ولاة المياه، وأشباههم لذلك، فرأى أشهب ذلك، إذا جَعَل ذلك لهم الإمام. وقال ابن القاسم نحوه. وقال الكوفيّون: لا يُقيمه إلا فقهاء الأمصار، ولا يُقيمه عاملُ السواد.
واختُلف في القضاة إذا كانت ولايتهم مطلقةً، غير مقيّدة بنوع من الأحكام، فالجمهور على أن جميع ذلك لهم، من إقامة الحدود، وإثبات الحقوق، وتغيير المناكر، والنظر في المصالح، أكان الحقّ لآدميّ، أو للَّه تعالى، وحكمه عندهم حكم الوصيّ المطلق اليد في كلّ شيء، إلا ما يَختصّ بضبط بيضة الإسلام، من إعداد الجيوش، وجباية الخراج. واختلف أصحاب الشافعيّ، هل له نظر في مال الصدقات، والتقديم للجمع والأعياد، أم لا؟ على قولين. وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا نظر له في إقامة حدّ، ولا في مصلحة إلا لطالب مُخاصم، وحكمه عندهم حكم الوكيل. انتهى كلام القرطبيّ (?). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
4069 - (أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ دِينَارٍ, قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ, قَالَ: زَعَمَ السُّدِّيُّ, عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ, عَنْ أَبِيهِ, قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ, أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - النَّاسَ, إِلاَّ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ, وَامْرَأَتَيْنِ, وَقَالَ: «اقْتُلُوهُمْ, وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ, مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ» , عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ, وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ, وَمِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ, وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي السَّرْحِ, فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ, فَأُدْرِكَ