عَلَى التَّنَاقُض، وَأَوْلَى مِنْ دَعْوَى أَنَّهُ قَالَ: بِالنَّسْخِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ. وَقَوْل ابْن عَبَّاسِ بِأَنَّ

الْمُؤمِن إِذَا قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا لَا تَوْبَة لَهُ مَشْهُور عَنه، وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ أَصْرَح

مِمَّا تَقَدَّمَ: فَرَوَى أَحْمَد، وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق يَحْيَى الْجَابِر، وَالنَّسَائِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ

طَريق عَمَّار الدُّهْنِيّ كِلَاهُمَا , عَنْ سَالِم بْنِ أَبِي الْجَعْد، قَالَ: "كُنْت عِنْدَ ابْنِ عَبَّاس بَعْدَمَا كُفَّ بَصَره، فَأتَاهُ رَجُل فَقَالَ: مَا تَرَى فِي رَجُل قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا؟ قَالَ: جَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا، وَسَاقَ الآيَة إِلَى {عَظِيمًا}، قَالَ: لَقَدْ نَزَلَت فِي آخِر مَا نَزَلَ، وَمَا نَسَخَهَا شَيْء حَتَّى قُبِضَ رَسُول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وَمَا نَزَلَ وَحْي بَعْدَ رَسُول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -. قَالَ: أَفَرَأَيْت إنْ تَابَ وَوَآمَنَ عَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى؟ قَالَ: وَأَنَّى لَهُ التَّوْبَة وَالْهُدَى "لَفْظ يَحْيَى الْجَابِر، وَالآخَر نَحْوه.

وَجَاءَ عَلَى وَفْق مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنِ عَبَّاس فِي ذَلِكَ أَحَادِيث كَثيرَة: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالنَّسائِيُّ مِنْ طَرِيق أَبي إِدْرِيس الْخَوْلَانِيّ, عَنْ مُعَاوِيَة، سمِعت رَسُول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يَقُول: "كُلّ ذَنْب عَسَى اللَّهَ أَنْ يَغفِرَهُ إِلَّا الرَّجُل يَمُوت كَافِرًا، وَالرَّجُل يَقْتُل مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا".

وَقَدْ حَمَلَ جُمْهُور السَّلَف، وَجَمِيع أَهْل السُّنَّة مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى التَّغْليظ، وَصَحَّحُوا تَوْبَة الْقَاتِل كَغَيْرِهِ، وَقَالُوا: مَعْنَى قَوله: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} أَيْ إِنْ شَاءَ اللَّه أن يُجَازِيَهُ تَمَسُّكًا بِقَولِهِ تَعَالَى في سُورَة النسَاء أَيْضًا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].

وَمِنْ الْحُجَّة فِي ذَلِكَ حَدِيث الإسْرَائِيلِيّ الذِي قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا ثُمْ أَتَى تَمَام الْمِائَه فَقَالَ لَهُ: لَا تَوْبَةَ، فَقَتَلَهُ فَأَكْمَلَ بِهِ مِائةَ. ثُمَّ جَاءَ آخَر فَقَالَ: "وَمَنْ يَحُول بَيْنَك وَبَيْنَ التَّوْبَة" الْحَدِيث، وَهُوَ مَشْهُور (?). وَاِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ لِمَنْ قُبِلَ من غَيْر هَذِهِ الأُمَّة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015