وَدَفَعْتُ إِلَيْكَ جَمِيعَ هَذِهِ الدَّنَانِيرِ, الْمُسَمَّى مَبْلَغُهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ, الَّذِي خَالَعْتَنِي عَلَيْهَا وَافِيَةً, سِوَى مَا فِي صَدَاقِي, فَصِرْتُ بَائِنَةً مِنْكَ, مَالِكَةً لأَمْرِي, بِهَذَا الْخُلْعِ, الْمَوْصُوفِ أَمْرُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ, فَلاَ سَبِيلَ لَكَ عَلَيَّ, وَلاَ مُطَالَبَةَ, وَلاَ رَجْعَةَ, وَقَدْ قَبَضْتُ مِنْكَ, جَمِيعَ مَا يَجِبُ لِمِثْلِي, مَا دُمْتُ فِي عِدَّةٍ مِنْكَ, وَجَمِيعَ مَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ, بِتَمَامِ مَا يَجِبُ لِلْمُطَلَّقَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي مِثْلِ حَالِي, عَلَى زَوْجِهَا الَّذِي يَكُونُ فِي مِثْلِ حَالِكَ, فَلَمْ يَبْقَ لِوَاحِدٍ مِنَّا قِبَلَ صَاحِبِهِ حَقٌّ, وَلاَ دَعْوَى, وَلاَ طَلِبَةٌ, فَكُلُّ مَا ادَّعَى وَاحِدٌ مِنَّا قِبَلَ صَاحِبِهِ, مِنْ حَقٍّ, وَمِنْ دَعْوَى, وَمِنْ طَلِبَةٍ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ, فَهُوَ فِي جَمِيعِ دَعْوَاهُ مُبْطِلٌ, وَصَاحِبُهُ مِنْ ذَلِكَ أَجْمَعَ بَرِىءٌ, وَقَدْ قَبِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا, كُلَّ مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ صَاحِبُهُ, وَكُلَّ مَا أَبْرَأَهُ مِنْهُ, مِمَّا وُصِفَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مُشَافَهَةً, عِنْدَ مُخَاطَبَتِهِ إِيَّاهُ, قَبْلَ تَصَادُرِنَا عَنْ مَنْطِقِنَا, وَافْتِرَاقِنَا عَنْ مَجْلِسِنَا, الَّذِي جَرَى بَيْنَنَا فِيهِ, أَقَرَّتْ فُلاَنَةُ, وَفُلاَنٌ).

شرح كتاب عقد تفرّق الزوجين المذكور

(قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتعَالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] ذكره الآية استدلالاً على أن تفرّق الزجين بالخلع مشروع بنصّ كتاب اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-.

قال الحافظ ابن كثير -رحمه اللَّه تعالى-: قال طائفة من السلف، وأئمة الخلف: إنه لا يجوز الخلع إلا أن يكون الشقاق والنشوز من جانب المرأة، فيجوز للرجل حينئذ قبول الفدية، واحتجّوا بهذه الآية، قالوا: فلم يشرع الخلع إلا في هذه الحالة، فلا يجوز في غيرها إلا بدّليل، والأصل عدمه، وممن ذهب إلى هذا ابنُ عبّاس، وطاوس، والحسن، والجمهور، حتى قال مالك، والأوزاعيّ: لو أخذ منها شيئًا، وهو مضارّ لها وجب ردّه إليها، وكان الطلاق رجعيًا، قال مالك: وهو الأمر الذي أدركت الناس عليه. وذهب الشافعيّ -رحمه اللَّه تعالى- إلى أنه يجوز الخلع في حال الشقاق، وعند إلاتفاق بطريق الأولى والأحرى، وهذا قول جميع أصحابه قاطبة. وحكى الشيخ أبو عمر بن عبد البرّ في كتاب "الاستذكار" له عن بكر بن عبد اللَّه المزنيّ إلى أنه ذهب إلى أن الخلع منسوخ بقوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20]، ورواه ابن جرير عنه، وهذا قول ضعيف، ومأخذ مردود على قائله. انتهى (?).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تقدّم البحث عن هذه المسألة في محلّها، من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015