خالص النيّة، فحينئذ يكره. قال: وهذا أحد محتملات قوله: "لا يأتي بخير"، كما تقدّم بيانه.

وقال الخطّابيّ: في "الأعلام": هذا باب من العلم غريبٌ، وهو أن يُنهى عن فعل شيء حتى إذا فعل كان واجبًا. وقد أكثر الشافعيّةُ -ونقله أبو عليّ السنجيّ عن نصّ الشافعيّ- أن النذر مكروه؛ لثبوت النهي عنه، وكذا نُقل عن المالكيّة، وجزم به عنهم ابن دقيق العيد، وأشار ابن العربيّ إلى الخلاف عنهم، والجزم عن الشافعيّة بالكراهة، قال: واحتجوا بأنه ليس طاعة محضة؛ لأنه لم يَقصد به خالص القربة، وإنما قصد أن ينفع نفسه، أو يدفع عنها ضررًا بما التزمه. وجزم الحنابلة بالكراهة، وعندهم رواية في أنها كراهة تحريم، وتوقّف بعضهم في صحّتها. وقال الترمذيّ بعد أن ترجم كراهية النذر، وأورد حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، ثم قال: وفي الباب عن ابن عمر، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، من أصحاب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وغيرهم كرهوا النذر. وقال ابن المبارك: معنى الكراهة في النذر في الطاعة، وفي المعصية، فإن نذر الرجل في الطاعة، فوفى به، فله فيه أجر، ويكره له النذر. قال ابن دقيق العيد: وفيه إشكالٌ على القواعد، فإنها تقتضي أن الوسيلة إلى الطاعة طاعة، كما أن الوسيلة إلى المعصية معصيةٌ, والنذر وسيلة إلى التزام القربة، فيلزم أن يكون قربة، إلا أن الحديث دلّ على الكراهة، ثم أشار إلى التفرقة بين نذر المجازات، فحمل النهي عليه، وبين نذر الابتداء، فهو قربةٌ محضة. وقال ابن أبي الدم في "شرح الوسيط": القياس استحبابه، والمختار أنه خلاف الأولى، وليس بمكروه. كذا قال، ونوزع بأن خلاف الأولى ما اندرج في عموم نهي، والمكروه ما نُهي عنه بخصوصه، وقد ثبت النهي عن النذر بخصوصه، فيه دون مكروهًا. قال الحافظ: وإني لأتعجب ممن انطلق لسانه بأنه ليس بمكروه مع ثبوت النهىِ الصريح عنه، فأقل درجاته أن يكون مكروهًا كراهة تنزيه. وممن بني على استحبابه النوويّ في "شرح المهذب"، فقال: إن الأصحّ أن التلفّظ بالنذر في الصلاة لا يُبطلها؛ لأنها مناجاة اللَّه، فأشبه الدعاء انتهى. وإذا ثبت النهي عن الشيء مطلقًا، فترك فعله داخل الصلاة أولى، فكيف يكونْ مستحبًا، وأحسن ما يُحمل به عليه كلام هؤلاء نذر التبرّر المحض بأن يقول: للَّه عليّ أن أفعل كذا، أو لأفعنّله على المجازاة (?).

وقد حمل بعضهم النهي على من علم من حاله عدم القيام بما التزمه. حكاه العراقيّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015