كانت في جوف الكعبة. وقيل: اللات بالطائف، والعُزّى بغطفان، وهي التي هدمها خالد بن الوليد، ومناة بقُدَيد. وقيل: بالمشلَّل. فأما اللات، فقيل: إنهم أرادوا به تأنيث اسم اللَّه تعالى. وقيل: أرادوا يسمّوا بعض آلهتهم باسم اللَّه تعالى، فصرف اللَّه ألسنتهم عن ذلك، فقالوا: اللات؛ صيانة لذلك الاسم العظيم أن يُسمّى به غيره، كما صرف ألسنتهم عن سبّ محمد - صلى اللَّه عليه وسلم - إلى مُذَمَّم، فكانوا إذا تكلّموا باسمه في غير السبّ، قالوا: محمد، فإذا أرادوا أن يسبّوه، قالوا: مذمّم، حتى قال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ألا تعجبون مما صرف اللَّه عنّي من أذى قريش؟ يسبون مذمّمًا، وأنا محمد"، رواه البخاريّ-3533، والنسائيّ-6/ 159.
ولَمّا نشأ القوم على تعظيم تلك الأصنام، وعلى الحلف بها، وأنعم اللَّه عليهم بالإِسلام، بقيت تلك الأسماء تجري على ألسنتهم من غير قصد للحلف بها، فأمر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من نطق بذلك أن يقول بعده: لا إله إلا اللَّه، تكفيرًا لتلك اللفظة، وتذكيرًا من الغفلة، وإتمامًا للنعمة. وخصَّ اللات بالذكر في هذا الحديث؛ لأنها أكثر ما كانت تجري على ألسنتهم، وحكم غيرها من أسماء آلهتهم حكمها؛ إذ لا فرق بينها.
والعُزَّى تأنيث الأعزّ، كالْجُلَّى تأنيث الأجلّ. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (?).
(فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) أي استدراكا لما فاته من تعظيم اللَّه تعالى في محله، ونفيًا لما تعاطى من تعظيم الأصنام صورةً، وأما من قصد الحلف بالأصنام تعظيمًا لها، فإنه كافر بلا خلاف، -نعوذ باللَّه تعالى من ذلك-.
وقال الخطّابيّ: اليمين إنما تكون بالمعبود المعظّم، فإذا حلف باللات، ونحوها، فقد ضاهى الكفّار، فأمر أن يتدارك بكلمة التوحيد. وقال ابن العربيّ: من حلف بها جادًّا، فهو كافر، ومن قالها جاهلاً، أو ذاهلًا، يقول: لا إله اإلا اللَّه، يكفّر اللَّه عنه، ويردُّ قلبه عن السهو إلى الذكر، ولسانه إلى الحقّ، وينفي عنه ما جرى به من اللغو.
(وَمَنْ قَالَ: لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ) بالجزم على أنه جواب الأمر، والمقامرة مصدر قامره: إذا طلب كلّ منهما أن يغلب على صاحبه في فعل أمر، أو قول، ليأخذ مالاً جَعلاه للغالب منهما، وهذا حرام بالإجماع، إلا أنه استُثني منه نحو سباق الخيل، على ما سبق بيانه في بابه. واللَّه تعالى أعلم (?).
(فَلْيَتَصَدَّقْ) قال الخطّابيّ: أي بالمال الذي كان يريد أن يقامر به. وقيل: بصدقة ما