رواية الأعرج، فإن المراد بالمكاره هنا ما أُمر المكلّف بمجاهدة نفسه فيه فعلاً، وتركًا، كالإتيان بالعبادات على وجهها، والمحافظة عليها، واجتناب المنهيّات قولاً وفعلاً، وأطلق المكاره لمشقّتها على العامل، وصعوبتها عليه، ومن جملتها الصبر على المصيبة، والتسليم لأمر اللَّه فيها.

والمراد بالشهوات ما يُستلذّ من أمور الدنيا، مما منَعَ الشرع من تعاطيه، إما بالأصالة، وإما لكون فعله يستلزم ترك شيء من المأمورات، ويلتحق بذلك الشبهات، والإكثار مما أبيح، خشيةَ أن يوقع في المحرم، فكأنه قال: لا يُوصل إلى الجنّة إلا بارتكاب المشقّات، المعبّر عنها بالمكروهات، ولا إلى النار إلا بتعاطي الشهوات، وهما محجوبتان، فمن هتك الحجاب اقتحم.

ويحتمل أن يكون هذا الخبر، وإن كان بلفظ الخبر، فالمراد به النهي (?).

وقال ابن العربيّ: معنى الحديث أن الشهوات جُعلت على حفافي النار، وهي جوانبها، وتوهّم بعضهم أنها ضرب بها المثل، فجعلها في جوانبها من خارج، ولو كان ذلك ما كان مثلاً صحيحًا، وإنما هي من داخل، وهذه صورتها: (?)

فمن اطّلع الحجاب، فقد واقع ما وراءه، وكلّ من تصوّرها من خارج، فقد ضلّ عن معنى الحديث. ثم قال: فإن قيل: فقد جاء في البخاريّ: "حُجبت النار بالشهوات"، فالجواب أن المعنى واحد؛ لأن الأعمى عن التقوى الذي قد أخذت الشهوات سمعه، وبصره يراها, ولا يرى النار التي هي فيها، وذلك لاستيلاء الجهالة، والغفلة على قلبه، فهو كالطائر يرى الحبّة في داخل الفخّ، وهي محجوبةٌ به، ولا يرى الفخّ لغلبة شهوة الحبّة على قلبه، وتعلّق باله بها.

قال الحافظ: وقد بالغ كعادته في تضليل من حمل الحديث على ظاهره، وليس ما قاله غيره ببعيد، وأن الشهوات على جانب النار من خارج، فمن واقعها، وخرق الحجاب دخل النار، كما أن الذي قاله القاضي محتمل. واللَّه أعلم. انتهى (?). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث أبي هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا أخرجه البخاريّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015