ذلك المال إلى ورثته، وهي من المراقبة، سمّيت بذلك؛ لأن كلّ واحد منهما يُراقب موت صاحبه. وقيل: الرُّقْبَى أن تجعل المنزل لفلان يَسكُنُه، فإن مات سكنه فلانٌ، فكلّ واحد منهما يَرقُب موت صاحبه، وقد أرقبه الرُّقْبَى. وقال اللحيانيّ: أرقبه الدار: جعلها له رُقْبَى، ولعقبه بعده بمنزلة الوقف. وفي "الصحاح": أرقبته دارًا، أو أرضًا: إذا أعطيته إياها، فكانت للباقي منكما، وقلت: إن متّ قبلك، فهي لك، وإن متَّ قبلي فهي لي، والاسم الرُّقْبَى. وفي حديث النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في العُمْرَى، والرقبَى أنها لمن أُعْمِرَها, ولمن أرقبها, ولورثتهما من بعدهما، قال أبو عُبيد: حدّثني ابن عُليّة، عن حجاج، أنه سأل أبا الزبير، عن الرقبَى، فقال: هو أن يقول الرجل للرجل، وقد وهب له دارًا: إن متَّ قبلي رجعت إليّ، وإن متّ قبلك فهي لك. قال أبو عبيد: وأصل الرُّقْبَى من المراقبة، كأنّ كلّ واحد منهما إنما يرقُبُ موت صاحبه، ألا ترى أنه يقول: إن متَّ قبلي رجعت إليّ، وإن متُّ قبلك فهي لك، فهذا ينبئك عن المراقبة، قال: والذي كانوا يُريدون من هذا أن يكون الرجل يريد أن يتفضّل على صاحبه بالشيء، فيستمتع به ما دام حيًّا، فإذا مات الموهوب له لم يصل إلى ورثته منه شيء، فجاءت سنّة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بنقض ذلك أنه من مَلَكَ شيئًا حياتَهُ، فهو لورثته من بعده.
قال: وهي أصلٌ لكلّ من وهب هبةْ، واشترط فيها شرطًا أن الهبة جائزة، وأن الشرط باطلٌ. ويقال: أرقبت فلانًا دارًا، وأعمرته دارًا: إذا أعطيته إياها بهذا الشرط، فهو مُرْقَبٌ، وأنا مُرْقِبٌ. انتهى كلام ابن منظور بتصرّف (?). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: وجه الاختلاف المذكور أن عبيد اللَّه بن عمرو رواه، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن طاوس، عن زيد بن ثابت - رضي اللَّه عنه -. وخالفه محمد ابن يوسف الفريابيّ، فرواه عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن طاوس، عن رجل، عن زيد - صلى اللَّه عليه وسلم -. وخالفهما عبد الجبّار بن العلاء، فرواه عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن طاوس، قال: لعله عن ابن عبّاس - رضي اللَّه عنهما -، فشكّ فيه، وجعله موقوفًا أيضًا.