قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد كلهم رجال الصحيح.

و"أبو خالد": هو الأحمر، سليمان بن حيان. و"أيوب": هو السختيانيّ.

وقوله: "ليس لنا مثل السوء" بفتح السين المهملة: أي لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن نتصف بصفة ذميمة يشابهنا فيها أخسّ الحيوانات في أخسّ أحوالها، قال اللَّه تعالى: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: 60]، ولعلّ هذا أبلغ في الزجر عن ذلك، وأدلّ على التحريم مما قال مثلاً: لا تعودوا في الهبة، وإلى القول بتحريم الرجوع في الهبة بعد أن تُقبض ذهب جمهور العلماء، إلا هبة الوالد لولده، جمعًا بين هذا الحديث، وحديث النعمان الماضي. وقال الطحاويّ: وقوله: "لا يحلّ" لا يستلزم التحريم، وهو كقوله: "لا تحلّ الصدقة لغنيّ"، وإنما معناه لا تحلّ له من حيث تحلّ لغيره من ذوي الحاجة، وأراد بذلك التغليظ في الكراهة. قال: وقوله: "كالعائد في قيئه"، وإن اقتضى التحريم؛ لكون القيء حرامًا، لكن الزيادة في الرواية الأخرى، وهي قوله: "كالكلب" تدلّ على عدم التحريم؛ لأن الكلب غير متعبّد، فالقيء ليس حرامًا عليه، والمراد التنزيه عن فعل يشبه فعل الكلب.

وتُعُقّب باستبعاد ما تأوّله، ومنافرة سياق الأحاديث له، وبأن عرف الشرع في مثل هذه الأشياء المبالغة في الزجر، كقوله: "من لعب بالنردشير، فكأنما غمس يده في لحم خنزير". قاله في "الفتح" (?).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الحاصل أن تأويل الطحاويّ بما سبق، مناصرة لمذهبه من التعسّفات التي لا يقبلها المنصف، فالحقُّ ما عليه الجمهور من تحريم الرجوع في الهبة إلا الوالد لولده؛ لوضوح أدلّته، فتبصّر بالإنصاف، ولا تَتَهَوَّر بالاعتساف.

والحديث أخرجه البخاريّ. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

3726 - (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ, قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ, عَنْ أَيُّوبَ, عَنْ عِكْرِمَةَ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ, الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ, كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ»).

قَالَ: الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد كلهم رجال الصحيح، وهو مسلسلٌ بالبصريين، إلا شيخه، فنيسابوريّ. و"إسماعيل": وابن عليّة.

والحديث أخرجه البخاريّ، كما سبق القول فيه في الذي قبله. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015