- رضي اللَّه عنه -، سمعت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول: "لها السكنى والنفقة"، فنحن نشهد باللَّه شهادة نُسأل عنها إذا لقيناه أن هذا كذبٌ على عمر - رضي اللَّه عنه -، وكذب على رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وينبغي أن لا يَحمِل الإنسان فرط الانتصار للمذاهب، والتعصّب لها على معارضة سنن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - الصحيحة الصريحة بالكذب البحت، فلو يكون عند عمر - رضي اللَّه عنه - عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -لخرِسَت فاطمة، وذووها، ولم ينسبوا بكلمة، ولا دعت فاطمة إلى المناظرة، ولا احتيج إلى ذكر إخراجها لبذاء لسانها، ولما فات هذا الحديث أئمة الحديث، والمصنّفين في السنن، والأحكام، المنتصرين للسُّنَنَ فقط، لا لمذهب، ولا لرجل، هذا قبل أن نصل به إلى إبراهيم، ولو قُدّر وصولنا بالحديث إلى إبراهيم لانقطع نُخاعُهُ، فإن إبراهيم لم يولد إلا بعد موت عمر - رضي اللَّه عنه - بسنين، فإن كان مخبر أخبر به إبراهيم، عن عمر - رضي اللَّه عنه -، وحَسّنَا به الظنّ، وكان قد روي له قول عمر - رضي اللَّه عنه - بالمعنى، وظنّ أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - هو الذي حكم بثبوت النفقة والسكنى للمطلّقة، حتى قال عمر - رضي اللَّه عنه -: لا ندع كتاب ربّنا لقول امرأة، فقد يكون الرجل صالحًا، ويكون مُغفّلاً، ليس تحمّل الحديث، وحفظه، وروايته من شأنه. وباللَّه التوفيق.
وقد تناظر في هذه المسألة ميمون بن مهران، وسعيد بن المسيّب، فذكر له ميمون خبر فاطمة، فقال سعيد: تلك امرأة فتنت الناس، فقال له ميمون: لئن كانت إنما أخذت بما أفتاها به رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - ما فتنت الناس، وإن لنا في رسول اللَّه أسوة حسنة، مع أنها أحرم الناس عليه، ليس لها عليه رجعةٌ، ولا بينهما ميراث. انتهى.
ولا يُعلم أحد من الفقهاء -رحمهم اللَّه تعالى- إلا وقد احتجّ بحديث فاطمة بنت قيس هذا، وأخذ به في بعض الأحكام كمالك، والشافعيّ، وجمهور الأمة يحتجّون به في سقوط نفقة المبتوتة، إذا كانت حائلًا، والشافعيّ نفسه احتجّ به على جواز جمع الثلاث؛ لأن في بعض الفاظه، فطلّقني ثلاثًا، وقد بيّنّا أنه إنما طلّقها آخر ثلاث، كما أخبرت به عن نفسها. واحتجّ به من يرى جواز نظر المرأة إلى الرجال. واحتجّ به الأئمة كلّهم على جواز خطبة الرجل على خطبة أخيه إذا لم تكن المرأة قد سكنت إلى الخاطب الأول. واحتجّوا به على جواز بيان ما في الرجل إذا كان على وجه النصيحة لمن استشاره أن يزوّجه، أو يُعامله، أو يسافر معه، وأن ذلك ليس بغيبة. واحتجّوا به على وقوع الطلاق في حال غيبة أحد الزوجين عن الآخر، وأنه لا يشترط حضوره، ومواجهته به. واحتجّوا به على جواز التعريض بخطبة المعتدّة البائن، وكانت هذه الأحكام كلها حاصلة ببركة روايتها، وصدق حديثها، فاستنبطتها الأمة منها، وعمِلت بها، فما بال