حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - هذا صحيح.
[فإن قلت]: كيف يصحّ، وقد أشار المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- إلى ضعفه بقوله: "أرسله حماد بن زيد"، وأراد بذلك إعلاله بالإرسال، يعني أن حماد بن زيد خالف حماد بن سلمة فأرسله، وهو مقدّم عليه في أيّوب، فتكون روايته غير محفوظة، وكذا أعلّه الإمام الترمذيّ -رحمه اللَّه تعالى- في "جامعه"، فقال -بعد أن أخرج رواية حماد بن سلمة موصولةً-: ما نصّه: ورواه حماد بن زيد، وغير واحد عن أيوب، عن أبي قلابة، مرسلًا: أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يَقْسم، وهذا أصحّ من حديث حماد بن سلمة انتهى (?). وكذا أعلّه الدارقطنيّ.
وأورده ابن أبي حاتم في "العلل" 1/ 425 - من طريق حماد بن سلمة، ثم قال: فسمعت أبا زرعة يقول: لا أعلم أحدًا تابع حمادًا على هذا. -يعني على وصله-. وأيّده ابن أبي حاتم بقوله: قلت: روى ابن عُليّة، عن أيوب، عن أبي قلابة: كان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يقسم بين نسائه ... الحديث مرسلٌ انتهى. والحاصل أنهم أعلّوه بالإرسال، فيكون المرسل هو المحفوظ.
[قلت]: إنما صَحَّ وإن كان الأرجح إرساله لأن له شواهدَ يعتضدُ بها، والمرسل إذا اعتضد يُقبَلُ، فمن شواهده حديث عائشة - رضي اللَّه عنها - أخرجه أبو داود، فقال في "سننه":
2135 - حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن أبي الزناد- عن شام ابن عروة، عن أبيه، قال: قالت عائشة: يا ابن أختي، كان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، لا يُفَضِّلُ بعضنا على بعض في القسم، من مكثه عندنا، وكان قَلَّ يوم، إلا وهو يطوف علينا جميعًا، فيدنو من كل امرأة، من غير مَسِيسٍ، حتى يبلغ إلى التي هو يومها، فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة- حين أَسَنَّت، وفَرَقَتْ أن يفارقها رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: يا رسول اللَّه، يومي لعائشة، فقَبِلَ ذلك رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -منها، قالت: نقول: في ذلك، أنزل اللَّه تعالى، وفي أشباهها -أراه قال-: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} الآية. وهذا إسناد حسنٌ، وأخرجه الحاكم 2/ 186 - وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبيّ.
ومنها: حديث ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - كان معه تسع نسوة، فكان يقسم لثمان، وواحدة لم يكن يقسم لها. متفق عليه، وقد سبق للمصنف في أول "كتاب النكاح". فهذان الحديثان يشهدان للجُزْءِ الأول منه (?).
والحاصل أن الحديث وإن رُجِّح إرساله، لكنه صحيح بشواهده. فتبصّر. واللَّه تعالى أعلم.