وغير ذلك من ألفاظ الخبر التي ذكرنا، فلذلك لم يحتج إلى مراجعتها في تقدير المهر، وصارت كمن قالت لوليّها: زوَّجني بما ترى من قليل الصداق وكثيره.
واحتجّ لهذا القول بما أخرجه سعيد بن منصور من مرسل أبي النعمان الأزديّ، قال: "زوّج رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - امرأة على سورة من القرآن، وقال: لا تكون لأحد بعدك مهرًا"، وهذا مع إرساله فيه من لا يُعرف. وأخرج أبو داود من طريق مكحول قال: ليس لأحد بعد النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -. وأخرج أبو عوانة من طريق الليث بن سعد نحوه.
وقال عياض: يحتمل قوله: "بما معك من القرآن" وجهين: أظهرهما أن يُعلّمها ما معه من القرآن، أو مقدارًا معيّنًا منه، ويكون ذلك صداقها، وقد جاء هذا التفسير عن مالك، ويؤيّده قوله في بعض طرقه الصحيحة: "فَعَلِّمها من القرآن"، كما تقدّم، وعُيِّنَ في حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - مقدار ما يعلِّمها، وهو عشرون آية. ويحتمل أن تكون الباء بمعنى اللام، أي لأجل ما معك من القرآن، فأكرمه بأن زوّجه المرأة بلا مهر؛ لأجل كونه حافظًا للقرآن، أو لبعضه.
ونظيره قصّة أبي طلحة مع أم سُليم، وذلك فيما أخرجه النسائيّ، وصححه من طريق جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس - رضي اللَّه عنه -، قال: خطب أبو طلحة أمّ سُليم، فقالت: واللَّه ما مثلك يُردّ، ولكنك كافر، وأنا مسلمة، ولا يحلّ لي أن أتزوّجك، فإن تُسلم فذاك مهري، ولا أسألك غيره، فأسلم، فكان ذلك مهرها". وأخرج النسائيّ من طريق عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس، قال: "تزوّج أبو طلحة أم سُليم، فكان صداق ما بينهما الإسلام ... " فذكر القصّة، وقال في آخره: "فكان ذلك صداق ما بينهما"، ترجم عليه النسائيّ -63/ 3341 - : "التزويج على الإسلام"، ثم ترجم على حديث سهل -62/ 3340 - : "التزويج على سورة من القرآن"، فكأنه مال إلى ترجيح الاحتمال الثاني، ويؤيّد أن الباء للتعويض، لا للسببية ما أخرجه ابن أبي شيبة، والترمذيّ من حديث أنس: "أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - سأل رجلاً من أصحابه، يا فلان هل تزوّجت؟ قال: لا، وليس عندي ما أتزوّج به، قال: أليس معك {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ... " الحديث (?).
واستدلّ الطحاويّ للقول الثاني من طريق النظر بأن النكاح إذا وقع على مجهول كان