قال النوويّ: وأما حقيقة النكاح عند الفقهاء ففيها ثلاثة أوجه لأصحابنا -يعني الشافعيّة- حكاها القاضي حسين من أصحابنا فىِ "تعليقه": [أصحّها]: أنه حقيقة في العقد مجاز في الوطىء، وهذا هو الذي صححه أبو الطيّب، وأطنب في الاستدلال له، وبه قطع المتولّي وغيره، وبه جاء القرآن العزيز، والأحاديث. [والثاني]: أنه حقيقة في الوطء، مجاز في العقد، وبه قال أبو حنيفة. [والثالث]: أنه حقيقة فيهما بالاشتراك انتهى (?).

وقال القرطبيّ: حقيقة النكاح: الوطء، وأصله الإيلاج، وهو الإدخال، وقد اشتهر إطلاته على العقد، كما قال اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب:49] أي إذا عقدتم عليهنّ. وقد يُطلق النكاح، ويُراد به العقد والوطء، كما في قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} الآية [البقرة: 221]، أي لا تعقدوا عليهنّ، ولا تطؤوهنّ انتهى (?).

وقال في "الفتح": النكاح في اللغة الضمّ والتداخل، وتجوّز من قال: إنه الضمّ. وقال الفرّاء: النُّكْح بضمّ، ثم سكون: اسم الفرج، ويجوز كسر أوله، وكثُر استعماله في الوطء، وسُمّي به العقد لكونه سببه. قال أبو القاسم الزجّاجيّ: هو حقيقةٌ فيهما. وقال الفارسيّ: إذا قالوا: نكح فلانة، أو بنت فلان، فالمراد العقد، وإذا قالوا: نكح زوجته، فالمراد الوطء. وقال آخرون: أصله لزوم شيء لشيء، مستعليًا عليه، ويكون في المحسوسات، وفي المعاني، قالوا: نكح المطرُ الأرضَ، ونكح النعاسُ عينَهُ، ونَكَحْتُ القَمْحَ في الأرض: إذا حرثتها، وبذرته فيها، ونكحت الحصاةُ أخفاف الإبل.

وفي الشرع: حقيقةٌ في العقد، مجاز في الوطء على الصحيح، والحجّة في ذلك كثرةُ وروده في الكتاب والسنّة للعقد حتى قيل: إنه لم يَرِد في القرآن إلا للعقد، ولا يَرِدُ مثلُ قوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]؛ لأن شرط الوطء في التحليل إنما ثبت بالسنّة، وإلا فالعقد لا بدّ منه؛ لأن قوله: {حَتَّى تَنْكِحَ} معناه حتّى تتزوّج، أي يعقد عليها، ومفهومه أن ذلك كافٍ بمجرّده، لكن بيّنت السنّة أن لا عبرة بمفهوم الغاية، بل لا بدّ بعد العقد من ذوق العُسَيلَة، كما أنه لا بُدّ بعد ذلك من التطليق، ثم العدّة.

نعم أفاد أبو الحسين بن فارس أن النكاح لم يَرِد في القرآن إلا للتزويج، إلا في قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} الآية [النساء: 6]، فإن المراد به الْحُلُم. واللَّه أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015