قال الحافظ وليّ الدين: والحديث المذكور رواه أبو داود في "سننه".
ويحتمل أن أبا سعيد - رضي اللَّه عنه - إنما نزع الثياب التي كانت عليه لنجاسة فيها، إما محقّقة، وإما مشكوكة، فأراد أن يكون بثياب محقّقة الطهارة، وهذا من جملة الأعمال المأمور بالمحافظة عليها، ولا سيّما عند انختام الآجال، فإن الإنسان محثوث على أن يُختَم أعماله بالصالحات في جميع الأمور، فإن الأعمال بخواتيمها، واللَّه تعالى أعلم (?).
(ومنها): أن الإمام البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- أورد حديث الباب في "كتاب الطهارة"، وقد استُشكل ذلك قديمًا وحديثًا، وقد طوّل الكلام فيه الحافظ في "الفتح" 1/ 459 وكذا الحافظ وليّ الدين في "طرح التثريب" 7/ 201 - 202. فراجع ما كتباه تستفد.
(ومنها): ما قال القاضي عياض: ويحتجّ به أيضًا أبو حنيفة في جواز استعمال الماء المضاف المتغيرة أوصافه؛ لانطلاق اسم الماء عليه، كما انطلق على هذا اسم الدم، وإن تغيّرت أوصافه إلى الطيب، وحجته بذلك تُضَعَّف (?). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
3149 - (أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ, عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ, عَنْ مَعْمَرٍ, عَنِ الزُّهْرِيِّ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ, فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلْمٌ يُكْلَمُ فِي اللَّهِ, إِلاَّ أَتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُرْحُهُ يَدْمَى, لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ, وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ»).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الحديث صحيح (?)، وقد تقدّم سندًا، ومتنًا في "كتاب الجنائز" رقم - 82/ 2002 - باب "مواراة الشهيد بدمه"، وتقدّم شرحه، والكلام على مسائله هناك.
و"ابن المبارك": هو عبد اللَّه الإمام المعروف. و"معمر": هو ابن راشد. و"عبد اللَّه ابن ثعلبة": هو ابن صُعَير، ويقال: ابن أبي صُعَير، له رؤية، ولم يثبت له سماع، مات سنة (7) أو (98) وقد قارب التسعين، تقدمت ترجمته في 82/ 202.
وقوله: "زمّلوهم" أي غطّوهم، وادفنوهم. وقوله: "في اللَّه" أي في سبيل اللَّه وقوله: "يَدْمَى" -بفتح أوّله، والميم- أي يسيل منه الدم، يقال: دَمِيَ الْجُرْحُ دَمّى، من باب تَعِبَ، ودَمْيًا أيضًا على التصحيح: خرج منه الدم، فهو دَمٍ على النقص، ويتعدّى بالألف والتشديد. قاله الفيّوميّ. وتمام شرح الحديث قد سبق بالرقم المذكور. واللَّه