الزهريّ بأن المراد "بجوامع الكلم" القرآن بقرينة قوله: "بُعِثْتُ"، والقرآن هو الغاية في إيجاز اللفظ، واتساع المعاني انتهى (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الأصحّ أن جوامع الكلم لا يختصّ بالقرآن، بل هو موجود في كلامه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَمِمَّا ذكروا من أمثلة جوامع الكلم في القرآن قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179]، وقوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 52]، إلى غير ذلك.
ومن أمثلة جوامع الكلم من الأحاديث النبوية حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -: "كلّ عمل ليس عليه أمرنا فهو ردّ"، وحديث: "كلّ شرط ليس في كتاب اللَّه، فهو باطل". متّفق عليهما. وحديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -: "وإذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم". متّفق عليه. وحديث المقدام - رضي اللَّه عنه -: "ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًا من بطنه ... " الحديث. أخرجه الأربعة، وصححه ابن حبان، والحاكم، إلى غير ذلك مما يكثر بالتتبّع.
وإنما يُسَلَّم ذلك فيما لم تتصرّف الرواة في ألفاظه، والطريق إلى معرفة ذلك أن تقلّ مخارج الحديث، وتتّفق ألفاظه، وإلا فإن مخارج الحديث إذا كثرت قلّ أن تتّفق ألفاظه لتوارد أكثر الرواة على الاقتصار على الرواية بالمعنى بحسب ما يظهر لأحدهم أنه واف به، والحامل لأكثرهم على ذلك أنهم كانوا يكتبون، ويطول الزمان، فيتعلّق المعنى بالذهن، فيرتسم فيه، ولا يستحضر اللفظ، فيحدّث بالمعنى لمصلحة التبليغ، ثم يظهر من سياق ما (?) هو أحفظ منه أنه لم يوفّ بالمعنى. قاله في "الفتح" (?).
(وَنُصِرْتُ) بالبناء للمفعول (بِالرُّعْبِ) -بضم الراء، وسكون العين المهملة- أي الخوف.
وفي حديث جابر بن عبد اللَّه - رضي اللَّه تعالى عنهما -، المتّفق عليه، المتقدّم للمصنّف في "كتاب التيمم" رقم 26/ 432 - : "نُصرت بالرعب مسيرة شهر". وزاد في رواية أحمد من حديث أبي أمامة - رضي اللَّه عنه -: "يُقذف في قلوب أعدائي". والمعنى أن اللَّه تعالى ألقى الخوف الشديد منه - صلى اللَّه عليه وسلم - في قلوب أعدائه بلا أسباب ظاهرة، وآلات عاديّة له، بل بضدّها، فإنه - صلى اللَّه عليه وسلم - كثيرًا ما يربط الحجر ببطنه من الجوع، ولا يوقد النار في بيوته، ومع هذا الحال كان الكفرة مع ما عندهم من المتاع، والآلات، والأسباب في