"الحجّ" {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقتَلُونَ} الآية؛ لصحة ذلك عن ابن عباس - رضي اللَّه تعالى - عنهما، وهو أعلم بالتأويل، وقد وافقه الكثيرون عليه، كما سبق في كلام ابن كثير. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - هذا صحيح.
(المسألة الثانية): في بيان مواضح ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا- 1/ 3086 - وفي "الكبرى" 1/ 4292. وأخرجه (ت) في "التفسير" 3171. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان وجوب الجهاد، ووجه دلالته على وجوبه أن الإذن الذي صُرّح به هنا هو الذي جاء في آيات أخرى بلفظ الأمر، كقوله تعالى: {وَقَتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية، ونحوها، فصريح الآية الإذن لِمَا كانوا يطلبونه من القتال، فمنعوا منه فترة من الزمن، ثم أبيح لهم، وفُرض عليهم، كما بينته رواية ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - التالية لهذا الحديث.
(ومنها): ما لحق النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من أذى المشركين بسبب دعوته إلى اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-. (ومنها): ما كان عليه من الصبر، وتحمّل الأذي في سبيل اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-. فينبغي الاقتداء به في ذلك. (ومنها): قوّة صدق أبي بكر - رضي اللَّه عنه - أن اللَّه تعالى سينتقم ممن آذى نبيّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فكان كما توقّع، فأهلكوا جميعًا، إلا من -رحمه اللَّه تعالى- فدخل في الإسلام. (ومنها): وعد اللَّه تعالى بنصره عباده المؤمنين، فأنجز لهم ما وعدهم. (ومنها): أن هذه الآية هي أول آية نزلت في مشروعية القتال على الراجح. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في وجوب الجهاد عينًا، أو كفايةً: قال في "الفتح": للناس في الجهاد حالان. إحداهما في زمن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، والأخرى بعده:
(فأما الأولى): فأول ما شُرع الجهاد بعد الهجرة النبوية إلى المدينة، اتفاقًا، ثم بعد أن شُرع، هل كان فرض عين، أو كفاية؟ قولان مشهوران للعلماء، وهما في مذهب الشافعيّ. وقال الماورديّ: كان عينًا على المهاجرين، دون غيرهم، ويؤيّده وجوب الهجرة قبل الفتح في حقّ كلّ من أسلم إلى المدينة؛ لنصر الإسلام. وقال السهيليّ: