طلوع الفجر لحظة إلى أن يأتيه بلالٌ، وفي هذا اليوم لم يتأخّر لكثرة المناسك فيه، فيحتاج إلى المبالغة في التبكير؛ ليتّسع الوقت لفعل المناسك. انتهى (?).
وقال السنديّ -رحمه اللَّه تعالى-: هذا الحديث من مشكلات الأحاديث، وقد تكلّمتُ عليه في "حاشية صحيح البخاريّ"، وأبي داود، والصحيح في معناه أن مراده ما رأيته - صلى اللَّه عليه وسلم - صلّى صلاةً لغير وقتها المعتاد لقصد تحويلها عن وقتها المعتاد، وتقريرها في غير وقتها المعتاد؟ لما في "صحيح البخاريّ" من روايته - رضي اللَّه تعالى عنه - أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: إن هاتين الصلاتين حُوّلتا عن وقتهما في هذا المكان"، وهذا معنى وجيه، ويُحمل قوله: "قبل ميقاتها" على هذا الميقات المعتاد، ويقال على أنه غلّس تغليسًا شديدًا، يخالف التغليس المعتاد، لا أنه صلّى قبل أن يطلع الفجر، فقد جاء في حديثه، وحديث غيره أنه صلّى بعد طلوع الفجر، وعلى هذا المعنى لا يرد شيء سوى الجمع بعرفة، ولعله كان يرى ذلك للسفر. واللَّه تعالى أعلم. انتهى كلام السنديّ (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الحاصل أن المراد بقوله: "قبل ميقاتها" الوقت المعتاد، لا أنه صلّى قبل طلوع الفجر؛ لما في رواية البخاريّ، في حديث عبد اللَّه بن مسعود - رضي اللَّه تعالى عنه -، وفيه: "فلما طلع الفجر، قال: إن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - كان لا يصلّي هذه الساعة إلا هذه الصلاة، في هذا المكان، من هذا اليوم، قال عبد اللَّه: هما صلاتان تُحوّلان عن وقتهما: صلاة المغرب بعد ما يأتي الناس المزدلفة، والفجر حين يبزغ الفجر، قال رأيت النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يفعله".
فهذا نصّ صريح من ابن مسعود - رضي اللَّه تعالى عنه - في كونه - صلى اللَّه عليه وسلم - ما صلى الصبح إلا بعد طلوع الفجر، فتبيّن بهذا أن المراد بقوله: "قبل ميقاتها" هو الوقت المعتاد. واللَّه تعالى أعلم.
والحديث متّفق عليه، وقد سبق البحث فيه مُستَوفًى في "كتاب الصلاة" برقم 49/ 608، فراجعه تستفد. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
...