وضاح: سألت أبا جعفر البستي عنه؟ فقال: بصري ثقة، وهو أحفظ من الثقفي، وحكى ابن شاهين في الثقات عن عثمان بن أبي شيبة: ابن علية أثبت من الحمادين، ولا أقدم عليه أحدا من البصريين، لا يحيى، ولا ابن مهدي، ولا بشر بن المفضل، وقال العيشي: ثنا الحمادان أن ابن المبارك كان يُتاجِر، ويقول: لولا خمسة ما اتجرت: السفيانان وفضيل، وابن السماك، وابن علية فيَصلهم فقدم سنة فقيل له: قد ولي ابن علية القضاء فلم يأته، ولم يصله، فركب ابن علية إليه، فلم يرفع به رأسًا، فانصرف، فلما كان من غد كتب إليه رقعة يقول: قد كنت منتظرًا لبرِّك، وجئتك فلم تكلمني، فما رأيته مني؟ فقال ابن المبارك: يَأبَى هذا الرجل إلا أن تنشر له العصا، ثم كتب إليه:
يَا جَاعلَ العلْم لَهُ بَازيًا ... يَصْطادُ أمْوَالَ المَسَاكين
احْتَلتَ للدُّنيَا وَلذَّاتهَا ... بحيلَة تَذْهَبُ بالدِّين
فَصرْتَ مَجْنُونًا بهَا بَعْدَ مَا ... كُنْتَ دَوَاَء للمَجَانين
أيْنَ روَايَاتُكَ فيمَا مَضَى ... عَن ابْن عَون وابْن سيرين
أيْنَ روَايَاتُكَ في سَرْدهَا ... في تَرْك أبْوَاب السَّلاطين
إنْ قُلتَ أكْرهْتُ فَذَا بَاطلٌ ... زَلَّ حمَارُ العلم في الطِّين
فلما وقع علي هذه الأبيات قام من مجلس القضاء فوطىء بساط الرشيد وقال: الله الله ارحم شيبتي، فإني لا أصبر على القضاء، قال: لعل هذا المجنون أغراك، ثم أعفاه فوجه إليه ابن المبارك بالصرة، وقيل: إن ابن المبارك إنما كتب إليه بهذه الأبيات لما ولي صدقات البصرة، وهو الصحيح، وقال إبراهيم الحربي: دخل ابن علية على الأمين، فحكى قصة فيها أن إسماعيل روى حديث "تجيء البقرة، وآل عمران، كأنهما غمامتان تحاجان عن صاحبهما"، فقيل له ألهما لسان؟ قال: نعم، فكيف تكلم؟. فشنعوا عليه أنه يقول القرآن مخلوق وهو لم يقله، وإنما