تعالى: {أَفِيضُوا} النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، والمراد من كان لا يقف بعرفة من قريش وغيرهم انتهى. ({مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}) أي غيركم، وهو عرفات، والمقصود رجوعهم من ذلك المكان، ولا شكّ أن الرجوع منه يستلزم الوقوف فيه؛ لأنه مسبوق به، فلزم من ذلك الأمر بالوقوف من حيث وقف الناس، وهو عرفة (?).

واختلف المفسّرون في المراد بالناس، فقيل: سائر الناس، غير الحُمْس. وروى ابن أبي حاتم وغيره، عن الضحّاك أن المراد به هنا إبراهيم الخليل - عليه السلام -، ويؤيّده حديث يزيد بن شيبان الآتي قريبًا، وعنه المراد به الإمام، وقيل: آدم - عليه السلام -. ويؤيّده القراءة في الشواذّ "الناسي" بكسر السين، بوزن القاضي، من قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} [طه: 115]. والأول أصحّ.

نعم الوقوف بعرفة موروث عن إبراهيم - عليه السلام -، كما سيأتي في حديث يزيد بن شيان الآتي قريبًا، ولا يلزم من ذلك أن يكون هو المراد خاصّة بقوله: {مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}، بل هو أعمّ من ذلك، والسبب فيه ما حكته عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -. وأما الإتيان في الآية بقوله: {ثُمَّ} فقيل: هي بمعنى الواو، وهذا اختيار الطحاويّ. وقيل: لقصد التأكيد، لا لمحض الترتيب، والمعنى: فإذا أفضتم من عرفات، فاذكروا اللَّه عند المشعر الحرام، ثم اجعلوا الإفاضة التي تفيضونها من حيث أفاض الناس، لا من حيث كنتم تُفيضون. قال الزمخشريّ: وموقع "ثم" هنا موقعها من قولك: أحسن إلى الناس، ثم لا تحسن إلى غير كريم، فتأتي "ثم" لتفاوت ما بين الإحسان إلى الكريم، والإحسان إلى غيره، فكذلك حين أمرهم بالذكر عند الإفاضة من عرفات بَيَّنَ لهم مكان الإفاضة، فقال: {ثُمَّ أَفِيضُوا} لتفاوت ما بين الإفاضتين، وأن إحداهما صواب، والأخرى خطأ.

وقال الخطابيّ: تضمن قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} الأمر بالوقوف بعرفة؛ لأن الإفاضة إنما تكون عند اجتماع قبله، وكذا قال ابن بطال، وزاد: وبَيَّنَ الشارع مبتدأ الوقوف بعرفة ومنتهاه انتهى (?). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015